عز الدين السريفي
لعل توالي تصريحات خارجيات الدول الاروبية والنواب الاروبيين وشخصيات سياسية أخرى يمكن تلخيصها فيما يخص الجزائر في جملة واحدة: “انقلب السحر على الساحر”. لذلك كانت صرختها على قدر الألم في بيانها الأخير عقب صدور قرارات محكمة العدل الأوربية.
لقد انقلب السحر على الساحر والمؤامرة على صانعتها، فهي الجزائر التي تحصد دائما ما تدنيه من تآمر على جيرانها، ففي البيان الصادر عن الخارجية الجزائرية يظهر ذلك الاستياء الواضح جدا من تصاعد بيانات وزارات الخارجية في أوربا استنكارا للقرارات الصادرة عن محكمة العدل الأوربية وتضامنا ودعما للمغرب… بما فيه من تأييد لمغربية الصحراء وسيادة المغرب على كامل أراضيه.
من الواضح أن التصريحات المتتالية من قبل وزارات الخارجية الأوروبية، النواب الأوروبيين، وشخصيات سياسية مرموقة، تشير جميعها إلى مشهد دبلوماسي يتغير بسرعة لصالح المغرب في قضية الصحراء، ما أضعف الجزائر في قلب هذه التطورات.
في بيانها الأخير عقب قرارات محكمة العدل الأوربية، أظهرت الجزائر استياءً واضحًا من تصاعد الدعم الدولي، وخاصة الأوروبي، للمغرب عقب قرارات المحكمة الأوروبية. هذه القرارات تعززت بتأكيدات متزايدة على مغربية الصحراء، ما أثار غضب الجزائر، التي كانت تحاول على مدى عقود تقويض سيادة المغرب على هذه المنطقة. تصاعد التضامن الأوروبي مع المغرب يمثل تحولًا متصاعدا في المواقف، وهو ما وضع الجزائر في موقف صعب دبلوماسيًا.
يبدو أن البيان الصادر عن الخارجية الجزائرية يعكس حجم الصدمة، ليس فقط بسبب قرارات المحكمة الأوروبية نفسها، بل أيضًا نتيجة التضامن الواسع مع المغرب الذي جاء على أعقابها. الصرخة الجزائرية، بقدر ما كانت قوية، تعكس حجم الألم والإحباط من فشل محاولاتها السابقة في التأثير على الساحة الدولية لصالح أجندتها فيما يتعلق بالصحراء.
ما يجعل هذه التطورات أكثر حدة هو توقيتها. الجزائر، التي كانت تسعى لتشكيل جبهة دبلوماسية قوية داخل أوروبا لدعم مواقفها فيما يخص الصحراء، وجدت نفسها الآن في مواجهة تيار معارض. بيانات وزارات الخارجية الأوروبية، والتأييد المتزايد لمغربية الصحراء، يؤكد أن هناك تحولا كبيرا في الموقف الأوروبي الذي لم يعد ينساق خلف الضغوط الجزائرية كما في السابق.
ويبدو أن الجزائر تعاني من تداعيات سياساتها التآمرية التي ارتدت عليها. “انقلب السحر على الساحر” ربما يكون الوصف الأنسب لهذه اللحظة الدبلوماسية الحرجة لبلاد الكابرانات، حيث تتصاعد الضغوط الدولية عليها، فيما تتزايد عزلتها في ما يخص قضية الصحراء، في ظل تعزيز المغرب لمكانته الإقليمية والدولية.
هذا دون الحديث عن الابن غير الشرعي للجزائر (البوليساريو)، والانتكاسات الديبلوماسية والسياسية منذ رجوع المغرب إلى المنظمة الإفريقية سنة 2017، وافتتاح قنصليات بالأقاليم الصحراوية، وتحرير معبر الكركرات، والاعتراف الأمريكي، ومكاسب قرار مجلس الأمن الأخير 2602 (أكتوبر 2021)، وما رافق ذلك من استنزاف لمقدرات الشعب الجزائري في صراع لا يعنيه؛ إذ إن المعركة الحقيقية التي يجب أن يخوضها النظام الجزائري وسونطراك هي إعلان الحرب ضد طوابير المواد الغذائية الأساسية، وضد الفقر والبطالة والصحة والهجرة الغير الشرعية…
فكيف يعقل أن الجزائر، وهي العضو في منظمة أوبيك ومنظمة اوابيك ومنتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي… مازالت تتخبط في مشاكل الدول الفقيرة، ومازال شبابها يغامر في قوارب الموت نحو أوروبا… وفضحت جائحة كورونا ضعف وانهيار مؤسساتها الصحية…
هذا في الوقت الذي تتنافس فيه دول خليجية، هي زميلة للجزائر في منظمات البترول والغاز، على المراتب الأولى في مؤشرات التنمية البشرية، سواء في جودة التعليم أو الصحة أو السكن أو الخدمات، حتى إن بعضها خلق وزارة للسعادة. كما أنه يستحيل وجود مواطني تلك الدول كمهاجرين في أوروبا أو أمريكا، بل يوجدون هناك كسياح ورجال أعمال ومستثمرين، في حين إن مواطني زميلتهم الجزائر هم كسائر المهاجرين من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بل مازال الشباب الجزائري يحلم بالهجرة عبر زوارق الموت.
اليوم، عندما نعيش أحداث “إكسبو 2020 دبي” (من فاتح أكتوبر 2021 إلى 31 مارس 2022)، وقبله بأيام منتدى السعودية الخضراء (أكتوبر 2021)، ونتطلع لتنظيم كأس العالم لكرة القدم بدولة قطر في سنة 2022، كما نتطلع لتنظيم “كوب-27” بمصر الشقيقة سنة 2022، الذي سبق للمغرب تنظيم نسخته “كوب-22” سنة 2016 بمراكش، وتنظيم مؤتمر الهجرة العالمي… وغيرها، فإننا نتأسف في المقابل للسجل الصفري للجزائر الغنية بالبترول والغاز، لأن تنظيم مثل هذه التظاهرات العالمية يعني التوفر على البنيات التحتية الضرورية والمؤسساتية والاستقرار السياسي والأمني، كما يعني التوفر على عوامل الجذب، سواء الاستثمارات أو السياح.
وهنا أيضا كان على النظام الجزائري، مدعوما بأموال سونطراك، إعلان الحرب على البنيات التحتية وعدم استجداء مساعدات وإعانات دول خارجية من أجل بناء أكبر مسجد بالجزائر، والانكباب أكثر على حل معضلات الشعب الجزائري الشقيق في مجلسي البرلمان والحكومة، وليس في مجلس الأمن القومي الذي يحضره الرئيس بقبعتي الرئاسة ووزارة الدفاع، والذي تجاوز عدد انعقاده في شهر واحد عدد جلساته منذ تأسيسه سنة 1976.
كما نتأسف للانزلاق الكبير لدبلوماسية الجزائر ولمؤسستها العسكرية واستفزازاتها مع سبق الإصرار والترصد لجارها الشقيق المغرب، الذي ينأى بنفسه عن كل استفزاز مجاني، سواء عبر قنوات ديبلوماسية أو قنوات الذباب الإلكتروني الموجه من طرف الجنرالات والمدعم من طرف سونطراك، لأن المغرب له أولويات أخرى يشتغل عليها كالنموذج التنموي والميثاق الوطني للتنمية وأوراش الإصلاح والبناء الكبرى…
أما ملف الصحراء المغربية، فإن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها باسم التاريخ والجغرافيا، وجنرالات الجزائر يستطيعون شراء الأصوات والولاءات والمنابر الإعلامية بأموال الشعب الجزائري، لكنهم لا يستطيعون تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا، لأن من يملك الحق يملك القوة.