المسؤول عن النشر و الاعداد
لطالما كانت الجزائر ترى في دعمها لجبهة “البوليساريو” مشروعا استراتيجيا لبسط نفوذها الإقليمي وتحقيق مكاسب سياسية على حساب المغرب، ظنا منها أن هذه الورقة ستمنحها صوتا قويا في المنطقة وميزان قوة جيوسياسي يثقل كفة حضورها، ولكن ومع مرور السنوات، تحولت هذه الورقة إلى عبء ثقيل يتراكم على كاهلها، كمن يحمل على ظهره “صخرة سيزيف”، كلما اقترب من قمة الجبل أعادته الصخرة إلى القاع.
في البداية، رأت الجزائر في “البوليساريو” فرصة مثالية لفرض الضغط على المغرب، واستخدمت كل الوسائل الممكنة لتمويل وتغذية هذا النزاع، بيد أن النتيجة النهائية لم تكن سوى تراكم للإحراجات السياسية والدبلوماسية، فالجزائر اليوم، بعد عقود من الدعم والمساندة، تجد نفسها في عزلة دولية حول هذا الملف، وكأنها تتلقى درسا يوميا في مقولة مغربية شهيرة ” اللي زرع الريح يحصد العجاج “.
لا يخفى أن العالم قد أصبح مقتنع تمام الاقتناع بعدالة ملف الوحدة الترابية للمغرب، وذلك بفضل سياسة متينة وحشد للدعم الدولي، بينما الجزائر تتراجع إلى الخلف بملف “البوليساريو” الذي أصبح أقرب إلى “الغول المسالم” الذي لا يتجاوز أثره سوى البقاء عالقا بين أسطر البيانات السياسية، دون أي تأثير حقيقي على أرض الواقع، فالجزائر الآن باتت كمن يحاول جاهدا ان يبني عشا فوق رأس الشيخ، إذ تستنزف طاقتها السياسي والمالية في قضية وطرح لا يلقى اي صدى في الواقع الدولي.
الجزائر، التي كانت تأمل أن تكون جبهة “البوليساريو” أداة فاعلة لتحقيق طموحاتها الإقليمية، أصبحت تجد نفسها محاصرة بأعباء مالية ضخمة لإنعاش هذا “الكيان المصطنع”، الذي، بدلا من أن يضيف لرصيدها السياسي، بات يتقل كاهلها بنفقاته المتزايدة وأزماته المتكررة، فالجبهة اليوم لا تكاد تطلب سوى المزيد من الدعم دون تقديم ما يبرر هذه المصاريف الباهظة.
وفي الوقت الذي يوجه المغرب موارده لاستثمارات ضخمة ومشاريع تنموية، تخصص الجزائر جزءا من ميزانيتها لدعم كيان يشبه الطاولة المائلة ، اوكما يقال، ما بني على الرمل ينهار مع الريح، فالجزائر باتت تتعثر بأخطائها السياسية التي لم تبنى على أسس ثابتة، لتجد نفسها في مواجهة عبء غير قابل للإزالة.
الجزائر، التي كانت تتطلع إلى إضعاف المغرب بإبقاء هذا النزاع حيا، وقعت في فخ سياسي داخلي، إذ باتت تصرف أموالها وطاقاتها على قضية بات العالم يدرك أكثر فأكثر أنها مجرد نزاع مفتعل، فالجزائر الآن تجد نفسها كمن يحاول إمساك الريح بيديه، إذ أصبحت رهينة لدعم جبهة لم تعد تجدي نفعا في خلق أي ضغط أو تغيير، بل أضحى وجودها ذاته يشكل ورطة سياسية وأخلاقية.
ويزداد المشهد سوريالية ، حيث في كل قمة دولية أو اجتماع إقليمي، يظهر الموقف الجزائري وكأنه إعادة لعرض مسرحي قديم، حيث يتم استحضار “البوليساريو” و كأنه المخلص المنتظر، لكن دون نتائج، فالجزائر تستمر في تقديم خدمات المائدة الكاملة للبوليساريو، بينما يرد المغرب بابتسامة ساخرة، ويواصل بناء البنية التحتية في الصحراء، ويجمع الدعم الدولي، المغرب سبق الجزائر بخطوات، بينما “البوليساريو” يجلس منتظرا مزيدا من الدعم الجزائري، وكأنما دوره الوحيد هو فتح المزيد من الشهية دون القدرة على تحريك الواقع.
بات الجزائريون يتساءلون، إلى متى سيستمر هذا الدعم المتواصل لقضية لم تجلب سوى الاستنزاف؟ ما الذي حققناه بعد عقود من الإنفاق المفرط على مشروع يبدو بلا نهاية؟ يشعرون وكأن الجزائر تجر حملا ثقيلا بدون طريق، مسافة طويلة تفتقد مخرجا واضحا، أصبحت قضية “البوليساريو” أشبه بظل ثقيل يرافق الجزائر في كل خطوة، حاضر لكنه بلا تأثير ملموس على أرض الواقع، يستهلك الموارد ويثقل كاهل البلاد، دون أن يقدم مردودا حقيقيا للشعب أو للدولة.
وفي نهاية المطاف، يبقى أمام الجزائر أن تدرك أن المسار المستمر في دعم البوليساريو لم يعد سوى إنفاق بلا عائد، ليصبح السؤال، متى ستفهم الجزائر أن سياسة “النفخ في قِربة مثقوبة” لم تعد تجدي نفعا، وأن الطريق الأمثل نحو مصالحها يكمن في مواجهة الواقع والتكيف مع مستجداته، والاعتراف بأن بناء الشراكة والسلام مع المغرب هو الخيار الأفضل لمستقبل مستقر للبلدين.