عز الدين السريفي
أكد بيان رسمي صادر عن الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة “تجدد اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية وتدعم مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الوحيد المقبول للتسوية”، داعية جميع الأطراف إلى الانخراط في حوار مباشر دون تأخير.
كما عبّر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عن استعداد بلاده لتسهيل هذا المسار، في ما وُصف برسالة سياسية واضحة: واشنطن تريد طي صفحة “المينورسو”.
ويأتي هذا التطور في وقت تتزايد فيه الانتقادات حول جدوى استمرار بعثة الأمم المتحدة “المينورسو”، التي أنشئت سنة 1991 من أجل تنظيم استفتاء بالصحراء، لكنها فشلت على مدى أكثر من ثلاثين سنة في تحقيق هدفها الأساسي، وظلّت تقتصر على مراقبة وقف إطلاق النار.
وحسب تحليل حديث صادر عن مركز التفكير الأمريكي “أتلانتيك كاونسل”، فإن “المينورسو” أصبحت عبئًا سياسيًا وماليًا، حيث تصرف عليها الأمم المتحدة حوالي 61 مليون دولار سنويًا دون نتائج ملموسة، في حين عجزت عن التفاعل مع التحولات الأمنية الخطيرة بالمنطقة، كامتداد نشاط الجماعات المتطرفة وتنامي شبكات التهريب.
تأييد دولي متسارع للموقف المغربي
ومنذ الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية سنة 2020، تتوالى المواقف الدولية المؤيدة للمبادرة المغربية. إذ عبّرت إسبانيا في 2022 ثم فرنسا في 2024 عن دعمهما الصريح لمقترح الحكم الذاتي، إلى جانب افتتاح أزيد من 29 دولة قنصليات لها بكل من العيون والداخلة.
وهذا الزخم الدولي جعل مهمة المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا شبه مستحيلة، حيث أعلن عن نيته مغادرة منصبه في أكتوبر 2024، معترفًا بصعوبة التوسط بين موقف مغربي يلقى دعمًا دوليًا متزايدًا، وموقف جزائري ما يزال متشبثًا بخيار الانفصال.
استفتاء مستحيل ومجتمع متحوّل
ومن النقاط الأساسية التي تطرق لها تقرير المعهد الأمريكي، أن إجراء استفتاء بالصحراء بات أمرًا غير واقعي من الناحية الديمغرافية والتاريخية. فالهوية القبلية المتشابكة للسكان، وحركة القبائل الحسانية بين المغرب وموريتانيا والجزائر، تجعل من الصعب تحديد من يحق له التصويت.
إلى جانب ذلك، فإن آلاف المغاربة استقروا في الأقاليم الجنوبية منذ السبعينات، واستفادوا من برامج دعم الدولة، ليصيروا اليوم جزءًا لا يتجزأ من نسيج المنطقة، كما أن عددًا من سكان مخيمات تندوف لا ينحدرون أصلاً من الصحراء بل جاءوا نتيجة صراعات أخرى بمنطقة الساحل.
صوت من الميدان: صحراويون يطالبون بالاستقرار والتنمية
واعتمد التقرير الأمريكي على شهادات ميدانية لصحراويين من مدن الداخلة، العيون وبوجدور، حيث عبّر معظمهم عن “الملل من النزاع”، وأملهم في “حل دائم يسمح لهم بالعيش في ظل الاستقرار والكرامة”، مشيدين بمشاريع التنمية التي أطلقتها المملكة، خصوصًا مشروع ميناء الداخلة الأطلسي الضخم.
وأشار التقرير إلى أن المغرب تجاوز المقاربة الأمنية التي ميزت فترة التسعينات، نحو رؤية جديدة ترتكز على التنمية المجالية، والنهوض بالبنيات التحتية، وتعزيز دور الجهات في تدبير شؤونها، في إطار الجهوية المتقدمة التي تُعد العمود الفقري لمقترح الحكم الذاتي.
نحو طي صفحة “المينورسو”: هل آن أوان الحسم؟
ويرى معهد “أتلانتيك كاونسل” أن الوقت قد حان لإنهاء مهمة “المينورسو”، التي لم تعد تواكب التحولات الجيوسياسية الجديدة، داعيًا إلى اعتماد مبادرة الحكم الذاتي كأساس واقعي ووحيد لحل هذا النزاع طويل الأمد.
وفي استشهاد رمزي، ختم التقرير باقتباس للمفكر الأمريكي روبرت كابلان: “الحدود ليست مجرد خطوط على الخريطة، بل تجسيد لموازين القوى”، مشيرًا إلى أن ميزان القوى اليوم، من واشنطن إلى مدريد وباريس، بات يُرجح كفة الرباط.
و دعا تقرير حديث نشره معهد “أمريكان إنتربرايز” إلى إعادة تقييم فعالية بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن العديد من هذه البعثات قد فشلت في تحقيق أهدافها الأساسية، بل ساهمت في تبديد الموارد المالية وزيادة التوترات بدلاً من العمل على تسويتها. وركز التقرير على بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء المغربية (المينورسو) كمثال بارز على هذا الفشل المستمر، حيث لم تتمكن البعثة من إجراء الاستفتاء الذي أُسست من أجله في عام 1991، رغم مرور أكثر من 30 عامًا على إنشائها.
ورغم إنفاق مليارات الدولارات على بعثة المينورسو، أشار التقرير إلى أنها لم تتمكن من إنجاز المهام الأساسية التي كانت مخصصة لها، مثل تنظيم الاستفتاء أو حتى إجراء إحصاء للسكان. هذه النتائج السلبية تثير تساؤلات حول جدوى استمرار هذه البعثات، لاسيما في ظل استمرار النزاع في المنطقة. ومن جانب آخر، انتقد التقرير الدعم المستمر من الأمم المتحدة لهذه البعثات، مؤكدًا أن هذا الدعم يعزز من موقف جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، مما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي ويؤجج النزاع بشكل أكبر.
كما أشار التقرير إلى تناقض الموقف الأمريكي في هذا السياق، حيث ترى الولايات المتحدة، التي اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء، أن استمرار دعم الأمم المتحدة لهذه البعثات يعد بمثابة خيانة لمشاركة المغرب في اتفاقات “أبراهام”.
التقرير الأمريكي اعتمد على ثلاثة مرتكزات أساسية: الأول يتعلق بتقليص نفقات الأمم المتحدة التي تصرف مليارات الدولارات على بعثات حفظ السلام عبر العالم، رغم فشلها في تحقيق مهامها. والثاني أن هذه البعثات تساهم في تغذية النزاعات واستمرارها بدلًا من حلها. أما المرتكز الثالث، فهو أن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء يتناقض مع تمويلها لبعثة تهدف إلى إجراء الاستفتاء.
فشل المينورسو في أداء المهمتين الوحيدتين اللتين أُنشئت من أجلهما: الاستفتاء ووقف إطلاق النار. فقد ذكرت الأمم المتحدة في تقرير أمينها العام عام 2004 أنه من المستحيل تنظيم الاستفتاء بسبب انسحاب الجبهة الانفصالية من لجان تحديد الهوية، مما أدى إلى إجهاض العملية برمتها. أما المهمة الثانية، المتعلقة بمراقبة احترام اتفاق وقف إطلاق النار، فقد انتهت منذ سنوات بسبب تسلل الميليشيات الانفصالية إلى المنطقة العازلة، في خرق واضح لما نص عليه اتفاق 1991. وقد قامت الجبهة الانفصالية ببناء منشآت في بير لحلو وتفاريتي، وأجرت استعراضات عسكرية لميليشياتها في خرق آخر للاتفاق. كما وصلت الأمور إلى منع بعثة المينورسو من أداء مهام المراقبة، وحدثت حوادث خطيرة، من بينها إطلاق عيارات نارية تحذيرية في وجه البعثة في 2017.
سحب المينورسو وإنهاء مهامها سيكون تجسيدًا حقيقيًا للانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة الحسم التي دعا إليها العاهل المغربي في 2024، مما يشكل قطيعة مع دائرة مفرغة لا تخدم سوى مصالح العدو الإقليمي للمغرب، الذي يسعى لإبقاء النزاع قائمًا لأسباب داخلية تتعلق بتخفيف أزماته من خلال شحن الرأي العام ضد “عدو خارجي”، بالإضافة إلى حسابات جيوسياسية تهدف إلى تصفية الحدود الموروثة عن الاستعمار. كما أن الجمود وإبقاء الوضع على ما هو عليه يخدم مصالح القوى الكبرى التي تمارس الابتزاز باستخدام ورقة النزاعات للحصول على امتيازات وصفقات عسكرية ومدنية.
و من باب الانسجام مع الدينامية الجديدة للاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، بما فيها دولتان عضوان دائمان في مجلس الأمن، ومن باب الانسجام مع الخطاب الملكي الداعي إلى التغيير، ينبغي على وزارة الخارجية المغربية تغيير مقاربتها في اللجنة الرابعة، وتقديم مشروع توصية مغربي مضاد للمشروع الذي تدعمه الجزائر، مع التحضير الجيد للمعركة وبتنسيق مع أصدقاء المغرب وحلفائه.
إنهاء مهام المنورسو” إذا دافعت عنه واشنطن في مجلس الأمن وقدمته في مشروع قرارها بوصفها حاملة القلم، فإنها ستطوي الملف بغير رجعة لأن المنورسو أصبحت هي ورقة التوت التي تخفي موت المشروع الانفصالي وتعطي للجزائر ولجبهتها الانفصالية منبرا دوليا يبقي على جذوة الانفصال مشتعلة.