عز الدين السريفي / صحفي استقصائي
أكدت مصدر مسؤول أن الجيش الجزائري قام بإسقاط المسيرة التي كانت تستعد لاستهداف “قيادات إرهابية مهمة” شمال مالي، كانت مسلحة، وترتب لشن هجمات على الجيش المالي، في منطقة تينزواتين الحدودية، حيث أكد المصدر أن وزارة الخارجية كانت تدرك جيدا التعابير التي استعملت حينما أكدت في بلاغها أن الجزائر قامت بإسقاط الطائرة المسير المالية لـ”مصلحة الجماعات المسلحة المتطرفة”.
وأضاف ذات المصدر أن الجزائر فعليا “ترعى الإرهاب الدولي”، وإسقاط المسيرة جاء بعد استنجاد “العناصر الإرهابية” بالجيش الجزائري الذي ينسق معها لتقسيم مالي وإثارة الفوضى في شمال البلاد، حيث عمل النظام الجزائري على إرسال أوامر لجيشه بإسقاط المسيرة داخل المجال الجوي المالي لحماية العناصر التي كانت المسيرة تستهدفها، وهو ما يعني حماية عناصر إرهابية مهمة ترعاها المخابرات الجزائرية لتكون ورقة للهيمنة على شمال البلاد، وجعل الدولة المالية رهينة لحسابات النظام الجزائري في المنطقة.
الطائرة، المسجلة تحت الرقم TZ-98D، سقطت عموديا بشكل مفاجئ، وهو ما اعتبرته حكومة باماكو دليلا على تعرضها لإطلاق نار بواسطة صواريخ أرض-جو أو جو-جو، وبالتالي قررت على إثر ذلك فتح تحقيق فوري لمعرفة ملابسات الحادث.
وأعلنت مالي على إثر ذلك سحب سفيرها لدى الجزائر احتجاجا على ما وصفته بـ”العداء السافر” من جانب النظام الجزائري، مؤكدة على أنها ستتقدم بشكوى رسمية أمام الهيئات الدولية ضد الجزائر، بتهمة ارتكاب “عمل عدواني” يستهدف أمن واستقرار دولة ذات سيادة، واعتبر أن هذا التصرف يُعد سابقة خطيرة في العلاقات الثنائية بين البلدين.
واتهمت باماكو الجزائر بـ”رعاية الإرهاب الدولي”، داعية النظام الجزائري إلى “وقف تصدير التهديدات وزعزعة الاستقرار الإقليمي”، مطالبة إياه باعتماد سلوك مسؤول يراعي ضرورات السلم والتنمية في منطقة الساحل.
تأتي حادثة إسقاط الطائرة بدون طيار شمال مالي من طرف جيش أحد البلدان المجاورة في سياق بالغ التوتر بمنطقة الساحل، حيث تتشابك مصالح قوى إقليمية ودولية، ويشتد الصراع بين الجماعات الجهادية والقوى العسكرية المحلية والداعمين الأجانب.
الجزائر، من جهتها، لا تزال متمسكة بسياساتها التدخلية الرامية إلى الحفاظ على نفوذها في شمال مالي، خصوصًا بعد النجاحات التي حققتها القوات المالية باستعادة السيطرة على مدينة كيدال في يونيو 2024 وتحريرها من قبضة الجماعات الانفصالية المدعومة من الجزائر.
وفق المعطيات المتوفرة، كانت الطائرة المالية في مهمة دقيقة لرصد واستهداف اجتماع يجمع بين الحركات الانفصالية والتنظيم الإرهابي “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” بقيادة إياد آغ غالي، الذي يُعتقد أنه كان حاضرًا في منطقة تينزاوتين القريبة من الحدود الجزائرية.
توقيت العملية يشير إلى امتلاك الماليين معلومات استخباراتية دقيقة، ربما بدعم من شريك أجنبي (روسيا؟). غير أن تدخل الدفاع الجوي الجزائري وإسقاط الطائرة يعكس قرارًا استراتيجيًا عالي المستوى، لا يمكن اتخاذه دون تنسيق مع القيادة العليا في الدولة، وعلى رأسها الجنرال السعيد شنقريحة.
الفرضية الأقرب أن المديرية العامة للوثائق والأمن الخارجي الجزائرية (DGSE) هي من وجّهت العملية تحت إشراف مباشر من شنقريحة، بناءً على إنذار من أحد عملائها في شمال مالي.
قرار عرقلة العملية المالية، عبر إسقاط طائرة، يحمل دلالة واضحة: إياد آغ غالي ليس مجرد شخصية جهادية، بل ورقة استخباراتية ثمينة لا ترغب الجزائر في خسارتها.
الجنرال رشدي فتحي موساوي، المدير الجديد للمديرية العامة للأمن الخارجي، والذي خَلَف الجنرال مهنا جبار، لا يُقدم على أي خطوة دون ضوء أخضر من ولي نعمته “شنقريحة”، ما يعزز فرضية أن العملية لم تكن تصرفًا ميدانيًا معزولًا، بل تنفيذًا لأوامر مباشرة من القيادة العسكرية العليا.
محاولة حصر المسؤولية في الجنرال محمد رمضانية وضابط آخر مجهول تبقى مجرد تكتيك متوقع للحفاظ على واجهة “الانضباط المؤسسي” للجيش الوطني الشعبي، وتجنب التصعيد السياسي والدبلوماسي مع باماكو، خصوصًا في ظل هشاشة الوضع على الحدود.
من جانب باماكو، كشفت الحادثة مدى تغلغل الاستخبارات الجزائرية داخل الأراضي المالية، وقدرتها على تعطيل عمليات حساسة في لحظات حاسمة.
وقد يدفع ذلك السلطات المالية إلى إعادة ترتيب أولويات تحالفاتها الأمنية، وربما فتح قنوات أوسع مع موسكو وتركيا ودول أخرى لموازنة النفوذ الجزائري.
1. التهدئة الرسمية: قد تسعى الجزائر إلى امتصاص الصدمة دبلوماسيًا لفك عزلتها الإقليمية والدولية، دون التفريط في أوراق الضغط التي تملكها من خلال الحركات الانفصالية وإياد آغ غالي.
وقد تأتي مساعي التهدئة من موسكو، خاصة وأن اللجنة الروسية الجزائرية المشتركة اجتمعت اليوم في موسكو برئاسة ميخائيل بوغدانوف، أحد أبرز صانعي القرار في الكرملين.
2. التصعيد غير المباشر: عبر تعزيز التحالفات مع شركاء من خارج المنطقة للحد من النفوذ الجزائري، مما قد يؤدي إلى سباق نفوذ إقليمي محموم.
3. تدويل القضية: إذا ما طالبت جهات دولية بفتح تحقيق في الحادثة، خصوصًا أن جميع القرائن تشير إلى أن إسقاط الطائرة تم داخل الأراضي المالية، ما يفتح الباب أمام مزيد من الضغوط الدولية على الجزائر.