عز الدين السريفي
لكن مع صعود المغرب كقوة إقليمية رئيسية ولاعب لا غنى عنه في المشهد العالمي المتغيّر، بدأ القناع الذي طالما منح الجزائر شرعية زائفة يتداعى. فقد باتت الدول تدرك بشكل متزايد أن الاصطفاف إلى جانب المغرب لا يخدم فقط مصالحها الاستراتيجية، بل يساهم أيضاً في تصحيح ظلم تاريخي.
ومن هذا المنظور، يمكن القول إن تلاقي المواقف الأميركية والإسبانية والفرنسية شكّل ضربة قاضية لأجندة الجزائر الانفصالية في الجنوب المغربي. وكان تغير الموقف الفرنسي على وجه الخصوص ذا تبعات كبيرة، إذ لم تكتف باريس بالتعبير الصريح عن دعمها لسيادة المغرب على الصحراء الغربية، بل تعهدت علناً بحشد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي.
وفي إطار الدعم الدولي جدّدت سلوفينيا، اليوم الجمعة، تأكيدها الصريح على دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي وجاد للنزاع حول الصحراء، معتبرة إياها أساسًا مناسبًا لتسوية هذا الملف الإقليمي. الإعلان جاء على لسان وزيرة الخارجية ونائبة رئيس الوزراء السلوفينية، تانيا فايون، عقب محادثات رسمية مع نظيرها المغربي ناصر بوريطة بالعاصمة ليوبليانا.
هذا الموقف السلوفيني، الذي يعزز المصداقية المتنامية للدبلوماسية المغربية، شكّل صفعة موجعة للنظام الجزائري، خصوصًا وأنه يأتي بعد أشهر قليلة فقط من اتفاق جزائري-سلوفيني لتوريد الغاز بأسعار تفضيلية، في خطوة فُسّرت حينها كمحاولة لاستمالة الموقف السلوفيني. غير أن هذا “الكرم الطاقي” لم ينجح في تغيير بوصلة ليوبليانا، ما يكشف بوضوح فشل الرهان الجزائري على شراء المواقف بالدعم المادي.

ويُعد هذا الموقف تأكيدًا لموقف سلوفينيا السابق خلال جلسة مجلس الأمن في أكتوبر 2024، حين صوتت لصالح القرار الأممي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، في موقف اعتبره مراقبون ضربة موجعة للجهود الجزائرية المناوئة للوحدة الترابية للمملكة.
الرسالة التي تبعث بها سلوفينيا اليوم لا لبس فيها: الواقعية والمصداقية تتفوقان على منطق الصفقات السياسية العابرة، وأن زمن التأثير عبر الامتيازات الطاقية قد ولّى. كما أن دعمها الواضح لدور الأمم المتحدة ولبعثة “المينورسو” ولجهود المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، يعكس رغبة واضحة في الدفع نحو حل سلمي يستند إلى أسس موضوعية وعادلة، تكرّس مغربية الصحراء كخيار يحظى بتأييد دولي متنامٍ.
بينما تواصل الرباط حصد التأييد الإقليمي والدولي لمبادرتها الذاتية، يواجه النظام الجزائري تحديات متزايدة في تبرير مواقفه أمام العزلة التي تتسع، رغم ما يبذله من محاولات متكررة لقلب الحقائق وتغليفها بعروض مغرية لا تجد لها صدى في دوائر القرار الخارجي.