في خطوة تأتي عشية الاحتفال بعيد الشغل، أعلنت الحكومة عن حزمة إصلاحات غير مسبوقة في الأجور والحماية الاجتماعية، تُعد الأوسع منذ انطلاق مسلسل الحوار الاجتماعي، حيث كشفت عن رفع الحد الأدنى الصافي الشهري للأجور في القطاع العام من 3000 إلى 4500 درهم، أي زيادة بنسبة 50% خلال خمس سنوات فقط.
وتأتي هذه الخطوة، ضمن سلسلة من الإجراءات الهيكلية المندرجة في جولة أبريل من الحوار الاجتماعي، والتي تهدف إلى تحسين دخل المواطنين وتوسيع شبكات الحماية الاجتماعية، حيث أوضح بلاغ رسمي صادر عن رئاسة الحكومة أن الكلفة الإجمالية لهذا الورش ستبلغ حوالي 45,7 مليار درهم في أفق سنة 2026.
وفي السياق ذاته، كشفت الحكومة أن هذه الزيادات في الحد الأدنى للأجور، مرفوقة بتحسينات في الوضعية المالية لموظفي قطاعات استراتيجية كالتعليم، الصحة، والتعليم العالي، ستُفضي إلى رفع متوسط الأجر الصافي الشهري في القطاع العام إلى 10.100 درهم بحلول 2026، بعدما كان في حدود 8.237 درهم سنة 2021.
ويعكس هذا التحسن في المتوسط العام، بحسب مصادر نقابية، أثر الزيادات المتتالية التي تم إقرارها خلال جولات الحوار الاجتماعي السابقة، إلى جانب إصلاحات شملت منظومة التعويضات والترقيات.
أما بالنسبة للقطاع الخاص، فقد تم الاتفاق على رفع الحد الأدنى القانوني للأجر في القطاعات غير الفلاحية (SMIG) بنسبة 15%، ليبلغ 3.046,77 درهم صافية، أي بزيادة تُعادل 408,72 درهم شهريا، كما عرف الحد الأدنى للأجر في القطاع الفلاحي (SMAG) زيادة بنسبة 20%، ليصل إلى 2.255,27 درهم، أي بزيادة قدرها 395,48 درهم شهريًا.
ولم تتوقف الزيادات عند هذا الحد، حيث من المنتظر أن تدخل زيادة إضافية بنسبة 5% على كل من SMIG وSMAG حيز التنفيذ في يناير وأبريل من سنة 2026 على التوالي، في إطار تدرج زمني يراعي التوازنات المالية للقطاع الخاص مع الحفاظ على الحقوق الاجتماعية للأجراء.
الشق المتعلق بالحماية الاجتماعية بدوره شهد تطورات مهمة، إذ أعلنت الحكومة عن تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3240 إلى 1320 يوم تأمين، وهو الإجراء الذي سيُطبق بأثر رجعي لفائدة الأشخاص الذين بلغوا سن التقاعد منذ فاتح يناير 2023.
أما المؤمن لهم الذين لا يتوفرون على هذا الحد الأدنى (1320 يومًا)، أو ذوي حقوقهم، فسيُمنح لهم حق استرجاع حصة اشتراكات المشغل، إلى جانب حصة الأجير، في خطوة غير مسبوقة تُمكن فئات واسعة من استرجاع حقوقها بطريقة عادلة.
ولتعزيز دخل الشغيلة بشكل مباشر، كشف البلاغ الحكومي عن مراجعة للضريبة على الدخل ابتداء من يناير 2025، وهي الخطوة التي مكّنت من تحسين الدخل الشهري للموظفين في القطاعين العام والخاص بأكثر من 400 درهم شهريًا، وبكلفة إجمالية بلغت 6 مليارات درهم.
ويُعد هذا التعديل الضريبي من بين أبرز المطالب التي ظلت النقابات تطرحها على طاولة الحوار الاجتماعي منذ سنوات، قبل أن يتم تفعيله في سياق أوسع لإعادة التوازن للطبقة المتوسطة.
ولم تغفل الحكومة في بلاغها الملفات الفئوية، حيث أكدت أن وزارة الداخلية ستواصل التنسيق مع النقابات لمناقشة النظام الأساسي لموظفي الجماعات الترابية، البالغ عددهم أكثر من 84.000 موظف، مشيرة إلى أن اجتماعا جديدًا سيُعقد يوم 13 ماي 2025 لمواصلة الحوار بشأن هذا الملف.
وتأتي هذه الدينامية التفاوضية في سياق الالتزام الحكومي بفتح قنوات التواصل مع مختلف مكونات الشغيلة، والاستجابة التدريجية لمطالبها، خصوصًا الفئات التي كانت خارج مظلة إصلاحات الأجور خلال السنوات الماضية.