عز الدين السريفي، صحفي استقصائي
هل تساءلت يوماً لماذا كل هذا الاستنفار الإعلامي، وهذه الحملات الممولة، وهذه الجموع المضللة التي تحرض على الخروج إلى الشارع تحت شعارات “إسقاط التطبيع”؟ لماذا تُستهدف اتفاقيات أبراهام في المغرب تحديداً، دون غيره؟ الجواب بسيط: لأن المغرب ربح، وبقوة كل الرهانات المستقبلية وحقق طفرة كبيرة، حيث جنى من هذه الاتفاقيات قلب موازين القوى إقليمياً ودولياً، مما أثار جنون خصوم الوطن في الداخل والخارج.
عويل وبكاء في كل مكان
أعداء الوحدة الترابية، ومرتزقة الداخل، ومن باعوا ضمائرهم لتنظيمات أجنبية، يخوضون اليوم معركة بالوكالة. أدواتهم: التضليل، العاطفة، والشعارات الفارغة. أهدافهم، نسف الإنجازات، وقطع الطريق على مكتسبات تاريخية حققها المغرب بذكاء سياسي وحكمة استراتيجية.
في هذا المقال، نكشف الحقائق، بالأرقام والمعطيات، ونعري الأقنعة عن الخونة و”القطيع” الذي يسير خلفهم دون وعي…
المكاسب السياسية: اعترافات كبرى… وتحولات استراتيجية
منذ توقيع المغرب على اتفاقيات أبراهام، تحقق ما كان يبدو مستحيلاً لعقود. أولى الثمار كانت من واشنطن، القوة الأولى عالمياً، التي أعلنت دعمها الصريح والواضح لمغربية الصحراء. هذا لم يكن مجرد تصريح سياسي، بل موقف استراتيجي لدولة تُمسك بزمام الأمم المتحدة وتمول بعثتها في الصحراء.
تبع ذلك اعتراف متسارع من عواصم كبرى: مدريد، باريس، برلين… جميعها التزمت بخيار الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي، وهو ما يعادل في لغة الدبلوماسية اعترافاً بمغربية الصحراء.
اتفاقيات أبراهام لم تكن مجرد توقيع، بل كانت مفتاحًا لقفل نهائي على ملف عمره نصف قرن، واستثمارًا ذكيًا في مصلحة الوطن العليا.
المكاسب العسكرية: من الدفاع إلى الردع
قبل الاتفاقيات، كان المغرب يُطالب ويُنتظر. بعدها، صار المغرب يُطلب ويُفاوض من موقع قوة. صفقات عسكرية نوعية، ما كانت لتُفتح لولا هذه الشراكة، دخلت الخدمة:
باتريوت، أباتشي، هيمارس، JSOW، F-16 Viper، ودرونات متطورة…
وفقاً لما جاء في تقرير للمعهد أعده نائب رئيس المعهد، العقيد (احتياط) إران ليرمان، الذي سبق وأن اشتغل نائباً لمستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن هذه التكنولوجيا “يمكن أن تشكل الأساس للإنتاج المحلي الذي من شأنه أن يعزز قدراته العسكرية”.
وتشمل الطائرات بدون طيار التي تزود بها إسرائيل المغرب أنواعاً مختلفة من الطائرات بدون طيار للاستطلاع ومهام أخرى، بما في ذلك طائرات “هيرون” من إنتاج الصناعات الجوية الإسرائيلية، و”هيرمز 900″ من إنتاج شركة “إلبيت”، و”واندر بي” و”ثاندر بي” من إنتاج شركة “بلو بيرد إيرو سيستمز”.
إذ في عام 2021، قامت المملكة المغربية بشراء ذخائر إسرائيلية متطورة من طراز Harop من إنتاج شركة IAI – ما يسمى بطائرات بدون طيار “كاميكازي” بقيمة 22 مليون دولار، ويمكن لطائرة “Harop” الطيران لمدة تصل إلى سبع ساعات بحمولة متفجرة تصل إلى 20 كيلوغراماً.
بالإضافة إلى ذلك، في عام 2021، استحوذت القوات المسلحة الملكية المغربية على خمسة أنظمة إسرائيلية مضادة للطائرات بدون طيار من طراز “Skylock Dome”، من إنتاج شركة “Avnon”، والتي تم عرضها لأول مرة في معرض ومؤتمر الدفاع الدولي 2020 (IDEX) في أبو ظبي.
بعد بضعة أشهر، أبرم المغرب صفقة مع شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) لشراء نظام الدفاع المتكامل “باراك إم إكس” مقابل 500 مليون دولار، ويوفر هذا النظام حماية جوية ضد الصواريخ والطائرات بدون طيار ويتكون من ثلاثة أنواع من الصواريخ الاعتراضية.
وكجزء من اتفاقية التعاون العسكري مع إسرائيل، تم وضع خطط لبناء مصنعين للطائرات بدون طيار في المغرب لإنتاج طائرات بدون طيار من طراز “Harop”.
وفي يوليوز 2024 ذهب رئيس شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية عمير بيرتس، وهو من أصول مغربية، إلى الرباط لإتمام صفقة بقيمة مليار دولار، تم الاتفاق عليها من حيث المبدأ قبل عدة أشهر، لتوفير قمر “أوفيك” للاستخبارات. ومن المقرر أن يحل هذا القمر محل الأنظمة الفرنسية التي يستخدمها المغرب حالياً في غضون خمس سنوات.
وفي شهر فبراير 2025، كشفت صحيفة “La Tribune” الفرنسية أن الرباط وقعت عقداً مع شركة “Elbit Systems” الإسرائيلية لتسليم 36 قطعة مدفعية ذاتية الدفع (155 ملم) من طراز “Atmos 2000″، مركبة على شاحنات تشيكية من طراز “Tatra”، وفضل المغرب توقيع العقد مع الشركة الإسرائيلية عوض الاستمرار مع الشركة الفرنسية “KNDS”.
وعلى الرغم من التقارب الذي حدث بين الرباط وباريس في الأشهر الأخيرة، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتقليل التوترات بين الشركة الفرنسية والجيش المغربي. وسجلت أن “KNDS” تأخرت، أيضاً، في الرد على طلبات الجيش المغربي، ورفضت تقديم أي لفتة تجارية كتعويض. لذا، تم اعتبار نظام “Elbit Systems” الإسرائيلي بديلاً جيداً.
صادرات السلاح بالأرقام
في 2021 وهو العام الأول بعد سريان اتفاقيات التطبيع التي وقعتها إسرائيل مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب، أظهرت أرقام مديرية التعاون الدفاعي الدولي التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية أن الصادرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية “ارتفعت بنسبة 30 بالمئة” مقارنة بالعام الذي سبقه.
وشكلت الإمارات العربية المتحدة والبحرين 7% من مشتريات الأسلحة وفق التصريحات الرسمية الإسرائيلية التي لم تُشر إلى المغرب، إلا أن مواقع متخصصة أكدت أن المملكة على سبيل المثال وقعت صفقة بقيمة 22 مليون دولار مع شركة “IAI” للحصول على ذخائر متطورة.
النتيجة؟ ميزان القوى في شمال إفريقيا اختل لصالح المغرب. لم نعد في موقع من يترقب التهديدات، بل صرنا نملك الردع والقدرة على الحسم.
من يحرك الحملة ضد المغرب؟
هنا بيت القصيد: لماذا إذن هذه الهستيريا الإعلامية؟ لماذا كل هذا التمويل لحملات “إسقاط التطبيع”؟ الجواب واضح: لأن هناك أطرافًا متضررة من نجاح المغرب. أطرافًا إقليمية ترى في صعود الرباط تهديدًا مباشرًا لنفوذها المزعوم.
لكن الأخطر من هؤلاء… هم خونة الداخل، بيادق مأجورة ترفع شعارات “الممانعة” وهي تأكل من يد أعداء الوطن.
العدل والإحسان، البيجيدي، اليسار البائد (النهج اليسار الموحد)… كلهم أدوات، غلفوا خيانتهم برداء ديني أو ثوري زائف، وخدعوا البسطاء، ليجرّوهم إلى معارك لا يفهمون أهدافها.
الخلاصة: الوطن لا يُساوَم
إن تبرير خطاب العنف الرمزي في الساحة السياسية باسم “القضية الفلسطينية” هو من أخطر مظاهر الابتذال السياسي، ويشكّل انتهاكاً صارخاً لمبادئ النضال الإنساني الذي لا ينفصل عن الكرامة وحرية التعبير. فالقضية الفلسطينية ليست في حاجة إلى مزايدين يستعملونها لتبرير فشلهم أو سقطاتهم الأخلاقية. كما أن استعمالها كأداة تبريرية للتهجم والتشهير هو شكل من أشكال توظيف المأساة لأغراض سياسوية ضيقة، وهو ما يُسقط كل المصداقية عن المتكلم.
وفي ظل هذا المنطق، لا يعود للمشروع السياسي أي أفق تحرري، بل يتحول إلى مجرد آلية لتدجين الجماهير وتحويلها إلى كتلة منفعلة تنفعل بالشعارات وتغضب بالسب، دون أن تتمكن من إنتاج فعل تاريخي واعٍ. هنا، تظهر خطورة الفكر الذي لا يفصل بين السياسة كفن للتدبير والتواصل، وبين السياسة كمنصة للثأر والانفعال. كما يظهر خطر الزعيم الذي يقدم نفسه على أنه استثناء أخلاقي، في حين أنه يمارس كل ما يدعي محاربته.
إن تحليل هذا الخطاب لا يمكن أن ينفصل عن أزمة الفكر السياسي المحافظ الذي يعجز عن تجديد نفسه، فيركن إلى ممارسات خطابية بالية تسعى إلى دغدغة العواطف بدل إعمال العقل، وتتحصن خلف قضايا عادلة لتبرير سلوكيات غير عادلة. ومن ثم فإن مثل هذا الخطاب لا يعبر عن انحراف فردي فقط، بل هو نتيجة طبيعية لبنية فكرية لا تزال تُنتج الزعيم الملهم، المتعالي على النقد، المستثنى من الأخلاق، المُحصّن ضد المساءلة، ما دام يتحدث باسم “القضية” أو “الإسلام” أو “الشعب”.
وهذا ما يجعل النضال الحقيقي اليوم لا يمر عبر دعم هذه الأصوات بل في فضحها وتفكيك خطابها، والكشف عن التناقض بين ما تدّعيه من مبادئ وما تمارسه من عنف رمزي وتبرير للسقوط. فبقدر ما نُظهر هذا التناقض، نعيد الاعتبار للفكر النقدي، ونُحرر القضايا العادلة من عبء الاستغلال السياسي الانتهازي.
المغرب اليوم يقف في موقع استراتيجي لم يبلغه من قبل، بفضل اختياراته السيادية وقراراته الذكية. اتفاقيات أبراهام لم تكن خيانة، بل ضربة معلم في شطرنج السياسة الدولية. كل من يحاول التشويش على هذا المسار، إما جاهل لا يُدرِك، أو خائن مأجور ينفّذ أجندة أعداء الوطن.
المعارك الكبرى لا تُخاض بالشعارات، بل بالبصيرة والحنكة. ومن يجرّ البلاد إلى الخلف تحت شعارات مفرغة من مضمونها، فهو عدو في ثوب ناصح.
هذا وقت الاصطفاف الوطني، وقت قول الحقيقة، وفضح الخونة، لا وقت التردد ولا الميوعة. المغرب ماضٍ في طريقه… ومن لا يعجبه، فليبحث له عن وطن آخر!