بروتوكوليا، يصعب أن يتكرر مشهد 28 أبريل 2025، حين استقبل الملك محمد السادس 3 وزراء خارجية يمثلون تحالف دول الساحل، بوركينافاسو ومالي والنيجر، على طاولة واحدة، لمناقشة قضايا استراتيجية على اعتبار أن هذه المهمة تكون موكلة في الأصل لوزير الخارجية، إلا أن مخرجات اللقاء تكشف لماذا كان هذا الاجتماع مهمًا وضروريا.
وكان لافتا للانتباه، أن من بين المواقف التي برزت إلى العلن إثر اللقاء، التزام دول الساحل المعنية بإخراج المبادرة الأطلسية التي طرحها الملك محمد السادس في نونبر 2023، إلى حيز التنفيذ، وهو أمر يقتضي التغلب على مجموعة من التحديات الجغرافية والسياسية والأمنية، التي يبدو أن الحسم فيها قد اقترب أكثر من أي وقت مضى.
مغربية الصحراء.. من معَ، ومن ضد؟
لا شك أن ملف الصحراء يتصدر واجهة لأحداث حين الحديث عن “إشادة” وزراء خارجية بوركينافاسو ومالي والنيجر بمبادرة العاهل المغربي لتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، وتجديد “انخراطهم التام والتزامهم من أجل تسريع تفعيلها”، فالرباط كانت واضحة منذُ البداية بخصوص أن ذلك سيتم عبر واجهة محددة وهي الواجهة الأطلسية للأقاليم الجنوبية، وتحديدا ميناء الداخلة الجديد.
الحديث عن الصحراء لا يرتبط بتأمين الخط البري السريع المتوقع إنجازه لربط تلك البلدان بالمحيط الأطلسي، على اعتبار أن المغرب متحكما فعليا في المنطقة سياسيا وعسكريا، وهو ما أكده التقرير الأخير لأليكسندر إيفانكو، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بالصحراء، رئيس بعثة “المينورسو”، الموجه لمجلس الأمن، والذي أكد أن القوات المسلحة الملكية متحكمة في الأمور على أرض الواقع بالصحراء، بينما جبهة “البوليساريو” الانفصالية “غير قادرة على تغيير الوضع الراهن بالوسائل العسكرية”.
المسألة تتعلق أساسا بالموقف الدبلوماسي والعَمَلي لتلك الدول من قضية لصحراء، فبوركينافاسو هي الوحيدة، إلى حدود الآن، التي تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، وتتوفر على قنصلية في مدينة الداخلة، يُرجح يكون لها دور اقتصادي وإداري كبير عند تنزيل المبادرة، في في حين أن النيجر لا زالت تفضل التزام الحياد وإمساك العصا من المنتصف، أما مالي فهي إلى الآن تعترف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” على المستوى الرسمي، حتى وإن كان هذا الاعتراف مُجمدا من الناحية العَملية.
الأزواد.. انفصال مدعوم من الجزائر
القضية الأخرى التي على دول الساحل إيجاد حل لها قبل تنزيل المبادرة الأطلسية على أرض الواقع، تتعلق بطرحٍ انفصالي جديد، يتعلق بمطالب تأسيس “دولة للطوارق” في شمال مالي، التي تقف وراءها حركة “تحرير أزواد”، والأمر هنا لا يتعلق بحيز جغرافي صغير، بل بـ822 ألف كيلومتر من الأراضي المالية، أي ما يعادل ثلثي مساحة البلاد البالغة إجمالا 1,24 مليون كيلومتر، وهي منطقة سيمر منها بالضرورة الطريق الذي سيصل إلى ميناء الداخلة، وبالتالي حركة النقل التجارية والمدنية.
ما ترغب فيه هذه الحركة هو حرمان باماكو من كامل حدودها مع الجزائر والنيجر وجزء كبير من حدودها مع مالي وموريتانيا، لتأسيس دولة جديدة في منطقة الساحل، وهو طرح لديه العديد من نقاط التشابه مع مطالب انفصاليي جبهة “البوليساريو” التي تريد أكثر من ثلث مساحة المغرب، وتحديدا 266 ألف كيلومتر مربع من أصل 710 كيلومترا، مع حرمان المملكة من كل حدودها مع موريتانيا ومن الطريق الوحيد الذي يربطها بغرب إفريقيا.
لكن ما يجمع الحركتين الانفصاليتين أيضا، هو أنهما معا مُسلحتان، وكلاهما تجدان في الجزائر المحتضن لهما، وحاليا يخوض الجيش المالي، الموجود أيضا في السلطة من خلال الحكومة الانتقالية التي يرأسها العقيد أسيمي غويتا، حربا مع الانفصاليين الأزواد في الشمال غير بعيد عن الحدود الجزائرية، تدخلت فيه الجزائر من خلال إسقاط طائرة مسيرة ادعت أنها اخترقت أجواءها، رغم سقوطها على بعد 9,5 كيلومترات داخل الحدود المالية، وفق ما أعلنته باماكو.
موريتانيا.. إلى أي اتجاه؟
ثالث التحديات التي على دول الساحل مع المغرب الحسم فيها من أجل تنزيل المبادرة الأطلسية، هو موقف موريتانيا، البلد الذي يتميز عن باقي دول الساحل الأخرى بكونه يتوفر على واجهة بحرية أطلسية، لكنه أيضا ضروري جدا لتنزيل التصور العام للمقترح، إذ لا يمكن أن تصل تلك البلدان إلى ميناء الداخلة دون طريقٍ يمر من الأراضي الموريتانية.
موريتانيا أيضا لديها موقع استراتيجي حساس في المنطقة، فهي تتشارك الحدود مع المغرب عبر جنوبِ الأقاليم الصحراوية، ومع الجزائر في أقصى الشمال، ثم مع مالي في الجنوب والشرق، وكانت الدولة الوحيدة من دول منطقة الساحل التي تغيبت عن الاجتماع الوزاري الذي انعقد في مراكش بتاريخ 23 دجنبر 2023، للتنسيق بشأن المبادرة، والذي جمع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بوزراء ومسؤولي الخارجية لدول مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد.
وتعي سلطات موريتانيا أن عليها الموازنة بين مصالحها الخاصة مع الجزائر من جهة، ومصالحها الأشمل مع باقي دول الساحل ومع المغرب من جهة أخرى، والظاهر أن هذا ما دفعها إلى مشاركة الجزائر في تدشين طريق تندوف – الزويرات، لكن أيضا إعلان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزاني، والملك محمد السادس، إثر لقائهما بالدار البيضاء في دجنبر 2024، “تنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بإفريقيا، خاصة أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي”، وهو ما تلاه في فبراير 2025، الإعلان عن قرب تدشين معبر بري جديد يمر منه الطريق الرابط بين السمارة وبئر أم كرين في شمال موريتانيا.