عز الدين السريفي
لم يقتصر الحضور في الندوة الوطنية المنظمة تحت شعار “البرلمان المغربي وقضية الصحراء: نحو دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال”، التي احتضنتها المؤسسة التشريعية صبيحة اليوم الإثنين، على تأكيد الدعم المبدئي للوحدة الترابية، بل حمل معه إجماعا سياسيا نادرا حول طبيعة المرحلة التي يمر بها ملف الصحراء، والتي وُصفت بأنها لحظة مفصلية تستدعي استنفارا شاملا للجبهة الداخلية في مواجهة كل التحرشات الخارجية بما فيها تلك التي تقودها البوليساريو وداعمتها الجزائر.
وأجمع الأمناء العامون للأحزاب تحت قبة البرلمان المغربي، على أن القضية لم تعد تحتمل التردد أو الخطاب الرمادي، في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها الملف، ووسط اتساع رقعة التأييد الدولي لمقترح الحكم الذاتي كحل جدي وواقعي، كونها وفق توصيفهم، مرحلة تعبئة وطنية عميقة، تفرض تعضيد الصف الداخلي، وتجديد أدوات الترافع، والتصدي للهجمات الإعلامية الممنهجة التي تُشن من قبل أذرع دعائية انفصالية مدعومة جزائريا، تسعى إلى التشويش على مكاسب المغرب وتقويض شرعيته الدولية.
وفي لحظة عكست تماهيا واضحاً بين الخطاب الحزبي والدبلوماسية الرسمية، دعا الأمناء العامون إلى استثمار الزخم المتنامي حول مغربية الصحراء، وتحويله إلى رسائل مؤسساتية قوية في المحافل الإقليمية والدولية، مؤكدين أن وحدة الصف الوطني اليوم لم تعد خيارا، بل ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات الراهنة وتحويلها إلى فرص تاريخية لترسيخ السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية.
قال محمود عرشان الأمين العام الأسبق ومؤسس حزب الحركة الديموقراطية الاجتماعية، إن الملك محمد السادس لا ينتظر التصفيق والإشادة، بل ينتظر من الأحزاب السياسية أن تقدم مبادرات واقتراحات ملموسة تساهم في الدفاع عن قضية الصحراء وتدعم التحرك الوطني.
وانتقد عرشان بشدة، في كلمته على هامش الندوة الوطنية تحت شعار: “البرلمان المغربي وقضية الصحراء: نحو دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعّال” التي احتضنها مجلس المستشارين صبيحة اليوم الاثنين، (انتقد) ضعف العلاقات التي تربط الأحزاب المغربية بالشعوب الإفريقية، معتبرا أن أداءها في هذا المجال “باهت أو منعدم”، محمّلا الأحزاب السياسية جزءا من مسؤولية هذا الفراغ.
وأكد المسؤول الحزبي، أن الأحزاب يجب أن تخرج من منطق التحركات الموسمية المرتبطة بالانتخابات، وأن تتحمل مسؤوليتها في تأطير المواطن والمساهمة الفعلية في الملفات الكبرى، وعلى رأسها قضية الصحراء، بدل ترك الملك وحده يتولى تقديم المبادرات والمشاريع.
ودعا عرشان، إلى سحب الملف من اللجنة الرابعة بالأمم المتحدة، واستغلال شبكة العلاقات التي نسجها المغرب دوليا والتي طورها الملك محمد السادس، كما تطرق إلى المنطقة العازلة، قائلا إن الحسن الثاني أنشأها لتفادي النزاع مع الجزائر، لكن البوليساريو اليوم تستغلها وتعتبرها “أراضي محررة”، وهو ما يفرض إعادة النظر في هذه الوضعية.
وحمّل الجزائر مسؤولية خلق هذا النزاع من الأساس، مشيرا إلى أن مواصلة الصمت أو التفرج سيشجعها على مزيد من التصعيد، كما انتقد استمرار عمل بعثة “المينورسو” التي لم تعد، بحسبه، تقوم بأي دور حقيقي، خاصة في ظل ما سماه “هجمات إرهابية من البوليساريو بتنسيق مع الجزائر”.
وتوقف عرشان عند ما اعتبره خطرا متزايدا من التصعيد الإعلامي والعسكري الجزائري تجاه دول الجوار، محذرا من أن الجزائر باتت تفتح ميزانيات ضخمة للتسلح وتُهيئ المسرح لتصعيد محتمل.
وقال إن رفض موريتانيا ومصر لمخططاتها قد يدفعها إلى شن هجمات مباشرة أو غير مباشرة، مؤكدا أن اللحمة الوطنية موجودة، لكن ذلك لا يمنع من ضرورة اليقظة لمواجهة المؤامرات. وفي هذا الاطار، دعا عرشان إلى إشراك الشباب في الدفاع عن القضية، وتنويع الاقتصاد، والخروج من منطق الجمود السياسي والاعتماد فقط على المؤسسة الملكية.
رئيس اللجنة البرلمانية: معركة الصحراء اليوم هي معركة سردية واستباق وإقناع
و من جهته قال رئيس اللجنة الموضوعاتية المؤقتة حول القضية الوطنية، لحسن حداد في كلمته الافتتاحية إن ندوة مجلس المستشارين حول الوحدة الترابية تأتي في لحظة مفصلية تتطلب تعزيز التعبئة الوطنية واستثمار المكتسبات المتراكمة دبلوماسيا وميدانيا، مؤكدا أن قضية الصحراء المغربية لم تعد مجرد ملف سياسي، بل تحولت إلى نموذج سيادي متكامل يجمع بين الشرعية التاريخية والرؤية التنموية.
وشدد المتحدث على أن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه وتغير مواقف قوى دولية مثل فرنسا وإسبانيا لصالح الطرح المغربي، يعكسان تحولا جيوسياسيا عميقا ينبغي مواكبته بمنهجية استباقية ومؤسساتية، كما نوه بالدور الحيوي للمنتخبين بالأقاليم الجنوبية، والدبلوماسية الرسمية بقيادة الملك محمد السادس، التي نجحت في ترسيخ المصداقية الدولية لمبادرة الحكم الذاتي.
وأكد رئيس اللجنة أن المعركة لم تعد تقتصر على أروقة الدبلوماسية، بل باتت تهم الفضاء الإعلامي والرقمي والمجتمعي، داعيا إلى استراتيجية متعددة اللغات ومقنعة تستند إلى الحجج القانونية والإنجازات التنموية.
كما أبرز أهمية الدبلوماسية البرلمانية والمجتمع المدني والجالية المغربية بالخارج كقوة ناعمة داعمة للوحدة الترابية، مشددا على ضرورة التأطير والتكوين لتعزيز أثر هذه الجهود، معتبرا أن ندوة اليوم يجب أن تشكل منطلقا لتفكير استراتيجي ومبادرات عملية في الدفاع عن مغربية الصحراء.