مع اندلاع الحراك الشعبي في الجزائر في 2019 وسقوط نظام بوتفليقة، بدأت المؤشرات الأولى لرغبة فض “الشراكة” مع الإمارات العربية المتحدة، حيث بدأت تجلياتها أولا تظهر في الشعارات التي رافعها المتظاهرون والتي تطالب صراحة بخروج الإمارات من الجزائر، خاصة ما اعتُبر “هيمنة اقتصادية” و”تدخلا سياسيا” في قرارات السيادة الوطنية.
وكشف موقع “الخليج أونلاين”، في هذا السياق أن الإمارات لم تكن بعيدة عن محاولات إجهاض الحراك الشعبي في الجزائر، بل سعت إلى إعادة إنتاج النظام السابق عبر تحالفات داخلية، مستغلة علاقتها ببعض قادة الجيش، ومحاولة التأثير في قرارات السيادة الجديدة للبلاد، عبر أدوات اقتصادية وعسكرية، من بينها الدخول في شراكات مع وزارة الدفاع الجزائرية في مجال صناعة العربات المدرعة ومصانع الذخيرة.
غير أن تحركات وتدخلات الإمارات في بعض القضايا والمواقع الساخنة، مثل ليبيا ومنطقة الساحل وتطبيعها للعلاقات مع إسرائيل، أعطى للنظام الجزائري بقيادة تبون، فرصة لخلق الشرعية مع الشعب، بإعلان الرفض للتحركات الإماراتية، وقد ازداد رفض الجزائر للتوسع الإماراتي في المنطقة، بعد إعلان أبوظبي عن مشروع قاعدة عسكرية إماراتية في موريتانيا في منطقة حدودية مع الجزائر ومالي، وهو ما اعتُبر استفزازا مباشرا للنفوذ الجزائري في الساحل.
الصحراء المغربية في صلب الخلاف الثنائي
لم يكن التحول الجذري في موقف الجزائر من الإمارات ناتجا فقط عن الملفات الاقتصادية أو التدخل السياسي في المنطقة والعلاقات مع إسرائيل، بل سجل مراقبون تصاعد الخلاف بعد اتخاذ أبوظبي خطوات دعم علني لمغربية الصحراء، وهو ما تراه الجزائر بمثابة تحالف مغربي – إماراتي ضدها، وذهبت إلى حد وصف هذا التحالف بـ”التحالف الثلاثي” بإقحام إسرائيل.
وظهرت تجليات هذا التوتر الجزائري تُجاه الإمارات بشكل أكبر في سنة 2020، أي بعدما افتتحت الإمارات قنصلية عامة لها في مدينة العيون بالصحراء المغربية، لتكون أول دولة خليجية تقدم على هذه الخطوة الدبلوماسية، حيث علقت الصحافة الجزائرية الرسمية على الخطوة بتقارير تستهدف الإمارات بشكل واضح.
وازداد الغضب الجزائري تُجاه الإمارات بعد عملية “الكركرات”، حين دعمت أبوظبي بشكل رسمي العملية المغربية التي أزالت الحصار عن المعبر الحدودي نحو موريتانيا، وهو ما زاد من تعقيد العلاقات الثنائية بينهما وإن كان ذلك بـ”صامت”، لا يظهر إلا في الخرجات الجزائرية الغاضبة بين فترة وأخرى.
هل تسعى الجزائر إلى الانعتاق من الإمارات؟
أمام هذا التراكم من الخلافات، يطرح تساؤل حول ما إذا كانت الجزائر، عبر نظامها السياسي – العسكري، تسعى إلى فك ارتباطها الاقتصادي التدريجي بالإمارات، كردّ فعل مباشر على مواقف أبوظبي الإقليمية، وخصوصا دعمها الصريح لمغربية الصحراء.
وفق العديد من التقارير الإعلامية الجزائرية، فإن نظام تبون قرر إيقاف مجموعة من الشراكات والاستثمارات الإماراتية في البلاد، من بينها استثمارات في الموانئ واستثمارات كانت مرتقبة في المجال العسكري، الأمر الذي يشير إلى عمق الخلاف والأزمة القائمة بين البلدين.
وبالرغم من أن الجزائر دائما ما تُبرر خلق الأزمات مع الدول بـ”الحفاظ على قرارها السيادي”، إلا أن تكرار توتراتها مع دول في الشرق والغرب، يساهم في زيادة عزلتها الإقليمية والدولية، كما يعكس صورة “نظام متشنج” يسهل استفزازه، في الوقت الذي يتخذ من يعتبرهم خصومه، وعلى رأسهم المغرب، سياسة “هادئة” لا تنجر بسهولة إلى ممارسة “سياسة رد الفعل”.