عز الدين السريفي
في ظل دينامية اقتصادية متسارعة يشهدها المغرب، خرج الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، كريم زيدان، ليعلن عن أرقام وصفها بـ”غير مسبوقة” في تاريخ الاستثمار الوطني. حديث الوزير لم يكن فقط استعراضًا لإنجازات الحكومة، بل حمل بين طياته ملامح رؤية اقتصادية طموحة تحاول الربط بين التحفيز الاستثماري، العدالة المجالية، وتبسيط الإجراءات، في معركة هيكلية شاقة ضد البيروقراطية والعقبات البنيوية.
الاستثمار في قلب المشروع التنموي الجديد
تصريحات زيدان تؤكد أن المغرب يتبنى مسارًا استثماريًا شاملاً يعوّل عليه لإحداث نقلة اقتصادية واجتماعية. فالمعطى الرقمي الصريح – 191 مشروعًا استثماريًا بقيمة 326 مليار درهم – يعكس حجم الرهان الذي تضعه الحكومة على الاستثمار كمحرك رئيسي للتنمية. كما أن التقدير المرتقب لخلق 400 ألف منصب شغل، بين مباشر وغير مباشر، يشير إلى إدراك صناع القرار لحجم الأثر الذي يمكن أن تحدثه هذه الدينامية على سوق الشغل ومعضلة البطالة، خاصة في صفوف الشباب.
لكن، من المهم الإشارة إلى أن التحدي لا يكمن فقط في إطلاق المشاريع، بل في ضمان تنفيذها، ومتابعة أثرها، وتقييم استدامتها، وهو ما يُفترض أن يدخل ضمن مهام الوزارة المعنية بتقييم السياسات العمومية.
عدالة مجالية: بين الطموح والتنفيذ
في رده على الانتقادات الموجهة للحكومة بشأن غياب استراتيجية واضحة لتوزيع الاستثمارات جغرافياً، أقر زيدان بعدم استفادة جميع الجهات بنفس الدرجة من برامج التأهيل والبنية التحتية. ومع ذلك، تحدث عن “عدالة مجالية” قيد التحقق، في ظل مشاريع عملاقة في مجالات الطرق والموانئ والمطارات، وخاصة في مناطق مثل الداخلة والناظور. ورغم ذلك، فإن غياب خطة مجالية مفصلة بزمن تنفيذ واضح، قد يجعل هذا التصور عرضة للانتقاد، إذا لم يترجم فعليًا على الأرض.
البيروقراطية: الخصم الأول للاستثمار
في أكثر لحظات حديثه شفافية، أقر زيدان بأن البيروقراطية تظل عائقًا حقيقيًا أمام رغبة المستثمرين، وأبرز الإجراءات الحكومية لتقليصها، مثل تبسيط الإجراءات بـ45% وتحديد آجال قصيرة للمراكز الجهوية للاستثمار. لكن من المعلوم أن مكافحة البيروقراطية ليست فقط قضية نصوص أو مهل زمنية، بل تحتاج إلى تغيير جذري في الثقافة الإدارية، وتعزيز الكفاءة والمسؤولية على مختلف المستويات.
زيدان: من الهجرة إلى الحوكمة
ما يضفي بعدًا إنسانيًا وسياسيًا على تصريحات زيدان، هو استحضاره لمسيرته الخاصة كمهاجر سابق في ألمانيا، جمع بين التكوين العلمي والعمل المدني قبل الانخراط في السياسة. من خلال مبادرات عملية في المناطق النائية، حاول زيدان أن يجعل من العمل السياسي امتدادًا لمشروع تنموي شخصي، يقوم على رد الجميل للوطن من خلال نقل الخبرة وتسهيل المشاريع.
هذه الخلفية تُكسب خطابه مصداقية أمام جزء من الرأي العام، لكنها أيضًا تلقي عليه مسؤولية مضاعفة؛ فصورة السياسي القادم من تجربة مهنية ناجحة في الخارج تخلق توقعات عالية، لا يمكن الوفاء بها إلا عبر إنجاز ملموس يتجاوز الترويج اللفظي.
حديث الوزير زيدان يعكس رغبة حقيقية في ترسيخ مناخ استثماري جاذب، قائم على الدعم، العدالة، والتقييم، وهي محاور أساسية لأي سياسة اقتصادية طموحة. لكن النجاح لن يُقاس بحجم الأرقام المعلنة فقط، بل بقدرة الحكومة على ضمان التنفيذ، ومواجهة عراقيل الواقع، والوفاء بوعودها في كل جهات المملكة.
يبقى أن نتابع هل ستتحول هذه التصريحات إلى سياسات منتجة على الأرض، أم ستظل حبيسة النوايا الطيبة في انتظار إصلاحات أكثر عمقًا وهيكلة.