عز الدين السريفي، صحفي استقصائي
في تصعيد خطير وغير مسبوق في العلاقات الفرنسية الجزائرية، كشفت تقارير إعلامية وقضائية فرنسية عن مستجدات مثيرة في قضية اختطاف المعارض الجزائري المعروف أمير بوخرص، الشهير بلقب “أمير دي زاد”، والتي وقعت بالقرب من العاصمة الفرنسية باريس. القضية لم تعد تقتصر على عمل إجرامي عابر، بل اتخذت طابعاً دبلوماسياً وأمنياً شديد الحساسية، مع مؤشرات قوية على تورط رسمي محتمل للدولة الجزائرية، لا سيما من خلال أجهزتها الاستخباراتية ودوائرها العسكرية.
تفاصيل الواقعة:
وقعت عملية اختطاف أمير بوخرص في ظروف غامضة خلال عام 2024 قرب باريس، حيث تم استهدافه على الأراضي الفرنسية رغم تمتعه بصفة لاجئ سياسي. التحقيقات التي أشرفت عليها فرقة مكافحة الإرهاب SAT التابعة للشرطة القضائية الفرنسية، وبالتعاون مع المديرية العامة للأمن الداخلي DGSI، وضعت خمسة مشتبه بهم جدد رهن الحراسة النظرية صباح الثلاثاء، في موجة توقيفات جديدة ضمن التحقيق القضائي المتشعب والمعقد.
تورط رسمي جزائري؟
التقارير التي نشرتها صحيفة لوباريزيان ووكالة الأنباء الفرنسية AFP وصحيفة ليبيراسيون، تؤكد فرضية تورط رسمي جزائري في القضية. الأخطر من ذلك هو ما ورد في تقارير DGSI، حيث تم توجيه اتهام مباشر إلى مسؤول جزائري سابق في سفارة الجزائر بباريس يُشار إليه بالحرفين “س. س.”، تبين لاحقاً أنه ضابط في جهاز المخابرات الخارجية الجزائرية DGDSE وكان يشغل منصب “السكرتير الأول” تحت غطاء دبلوماسي.
بحسب الوثائق الأمنية الفرنسية، فإن “س. س.” شارك في التخطيط أو على الأقل في تقييم العملية التي انتهت باختطاف أمير دي زاد، كما تشير الأدلة إلى سحب مبلغ مالي يعتقد أنه استُخدم كأجر للمختطفين، إضافة إلى تحركات مشبوهة له بالقرب من منزل الضحية قبل أسابيع من العملية.
تكييف قضائي خطير:
السلطات القضائية الفرنسية صنّفت هذه القضية تحت تهم ثقيلة وغير مسبوقة في السياق الدبلوماسي بين البلدين، وهي:
- الاختطاف والاحتجاز المرتبط بتنظيم إرهابي
- تكوين عصابة إجرامية ذات طابع إرهابي
ويعد ذلك أول تصنيف قضائي من هذا النوع يطال جهاز استخبارات أجنبي، في إشارة مباشرة إلى تورط الجزائر في عملية عدائية على الأراضي الفرنسية.
ردود الأفعال:
محامي الضحية، إيريك بلوفييه، وصف ما جرى بأنه “اعتداء عنيف على السلامة الجسدية للاجئ سياسي”، و”مساس خطير بالسيادة الفرنسية”، مطالباً باتخاذ إجراءات قضائية حازمة، بما فيها إصدار مذكرات توقيف دولية في حق المتورطين.
من جانب آخر، لم تصدر الجزائر حتى الآن أي توضيحات رسمية، رغم توالي الاتهامات وتوسع التحقيقات، مما يعمّق التوتر القائم أصلاً بين باريس والجزائر منذ شهور على خلفية ملفات الهجرة والذاكرة والتعاون الأمني.
تكشف هذه القضية الخطيرة عن صراع خفي يتجاوز مجرد محاولة إسكات صوت معارض، ليمس جوهر العلاقات الدبلوماسية ويطرح تساؤلات جادة حول استخدام أدوات الدولة في عمليات تصفية حسابات سياسية خارج الحدود. ما إذا كانت فرنسا ستذهب نحو المواجهة الدبلوماسية المفتوحة أو ستختار المسار القضائي البحت، يبقى رهيناً بما ستكشفه الأيام المقبلة من تطورات في التحقيقات.