من المقرر أن يفتتح الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، خط غاز “السيل التركي” الإستراتيجي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا، ليضاف إلى خطوط غاز “تاب” و”تاناب”، ما يعتبر بمثابة نجاح كبير لإستراتيجية أردوغان لتحويل تركيا إلى ممر إستراتيجي للطاقة ما بين الشرق والغرب.
وتكتسب هذه الخطوة أهميتها كونها تأتي في ظل وصول الصراع على غاز شرقي البحر المتوسط إلى ذروته في الأسابيع الأخيرة وبدء تركيا بإرسال قوات إلى ليبيا من أجل حماية حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، وذلك لضمان حماية الاتفاق البحري مع ليبيا، الذي قطع الطريق على دول حوض البحر الأبيض المتوسط بمد خط أنابيب لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا بدون تركيا، حيث شدد أردوغان على أن هذه الدول ستكون مضطرة للحصول على إذن تركيا لمد هذا الخط الذي يعتبر حلما تاريخيا لدول المنطقة التي زادت اكتشافاتها من الغاز في السنوات الأخيرة.
منذ سنوات طويلة، تعمل تركيا من أجل أن تتحول إلى “ممر إستراتيجي” لنقل الطاقة العالمية
ومنذ سنوات طويلة، تعمل تركيا من أجل أن تتحول إلى “ممر إستراتيجي” لنقل الطاقة العالمية، لا سيما بين الشرق المصدر للبترول والغاز الطبيعي والغرب الذي يزيد طلبه وبات يبحث عن بدائل مختلفة لمصادر الطاقة. ورغم الصعوبات الكبيرة إلا أن أنقرة قد نجحت بالفعل في السيطرة على حصة الأسد من خطوط نقل الطاقة من الشرق إلى الغرب، على أن تبقى التطورات المتصاعدة في شرقي البحر المتوسط حاسمة فيما يتعلق بالطموح التركي برسم خريطة خطوط الطاقة العالمية.
وعقب سنوات طويلة من العمل الضخم، يفتتح أردوغان وبوتين خط أنابيب السيل التركي الذي سينقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا، وذلك في حفل سيقام بمدينة إسطنبول التركية، قبل أن تجري مباحثات ثنائية بين الزعيمين سوف تتركز على بحث الملف الليبي المرتبط بشكل مباشر بمستقبل التنقيب عن الغاز وتصديره من تلك المنطقة.
و”السيل التركي” مشروع لمد أنبوبين لنقل 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من روسيا إلى تركيا وأوروبا مرورا بالبحر الأسود، ومن المقرر أن يغذي الأنبوب الأول من المشروع تركيا بالغاز الطبيعي، بينما يغذي الأنبوب الثاني دول شرقي وجنوبي أوروبا. ويمتد الأنبوب من روسيا إلى تركيا ودول أوروبية، مروراً بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية-اليونانية، حيث تقام مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم توريده للمستهلكين في شرق ووسط أوروبا.
وفي نهاية نوفمبر من العام الماضي، شارك أردوغان ونظيره الأذري إلهام علييف في مراسم ربط خط أنابيب تاناب الذي يعبر الأراضي التركية، مع خط أنابيب تاب العابر للبحر الأدرياتيكي، وهو أحد فروع البحر المتوسط الذي يفصل شبه الجزيرة الإيطالية عن شبه جزيرة البلقان، بعد قرابة العام على افتتاح الجزء الأول العابر للأناضول في ولاية أسكي شهير التركية.
ويمتد تاناب من الحدود التركية مع جورجيا، عبر 20 ولاية تركية، وينتهي عند الحدود اليونانية في ولاية أدرنة، وتبلغ طاقته السنوية 16 مليار متر مكعب، ستوصَّل 6 مليارات منها إلى تركيا وتُخصَّص المليارات العشرة المتبقية للأسواق الأوروبية عبر تاب.
وأكّد الرئيس التركي خلال المراسم أن “تاناب هو مشروع إقليمي ومشروع للسلام”، مشيراً إلى أنه يمثل أهم جزء من ممر الطاقة الممتد من أذربيجان إلى أوروبا بطول 3 آلاف و500 كيلومتر، موضحاً أن تركيا تهدف من خلال تاناب إلى ضمان تأمين احتياجاتها من الطاقة، فضلاً عن المساهمة في تأمين إمدادات الطاقة لأوروبا.
وتعتبر تركيا أن مشروع نقل الغاز الطبيعي الأذري إلى أوروبا، عبر الأراضي التركية، يُعَدّ خطوة إستراتيجية مهمة إذ لعب دوراً محوريّاً لتأمين أنقرة لإمدادات الطاقة لنفسها ولأوروبا. كما يتيح المشروع إمكانية نقل الدول المالكة لاحتياطي واسع من الغاز الطبيعي، وعلى رأسها دول منطقة بحر قزوين، مصادر الطاقة إلى الأسواق العالمية عبر تركيا.
تعتبر أنقرة أن “موقعها الإستراتيجي” يخولها بأن تكون ممرا رئيسيا لكل خطوط الطاقة العالمية الرئيسية
وتعتبر أنقرة أن “موقعها الإستراتيجي” يخولها بأن تكون ممرا رئيسيا لكل خطوط الطاقة العالمية الرئيسية، لكن الخلافات والاضطرابات السياسية والأمنية الكبيرة التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، أجلت الكثير من مشاريع خطوط الغاز، وجمدت مباحثات بين تركيا وإسرائيل لمد خط غاز شرق المتوسط من خلال الأراضي التركية، قبل أن يتم استبعاد أنقرة عبر حلف شرق المتوسط الذي ضم إسرائيل ومصر واليونان وقبرص.
وبعد أن كاد ينجح مخطط استبعاد تركيا بشكل كامل من تقسيمة استخراج الغاز وتصديره من شرق المتوسط، أقدمت أنقرة على خطوات متتالية تمثلت في إرسال 4 سفن تنقيب عن الغاز محمية بسفن وطائرات حربية، قبل أن توقع اتفاقا لتقاسم النفوذ البحري والمناطق الاقتصادية مع ليبيا جرى بموجبه السيطرة على شريط بحري يمتد من تركيا إلى ليبيا، ويعتبر بمثابة جدار فاصل يمنع مد أي خط لنقل الغاز من المتوسط إلى أوروبا بدون الحصول على إذن من تركيا، بحسب ما أكد أردوغان الذي هدد بمنع ذلك بالقوة.
وعلى الرغم من أن اليونان وإسرائيل وقبرص أعلنوا قبل أيام التوقيع على مد خط نقل للغاز إلى أوروبا، إلا أنه لا يعرف حتى الآن كيف يمكن أن يجري ذلك بدون التنسيق مع تركيا التي تؤكد أن لا مشروع في شرق المتوسط يمكن أن ينجح بدونها.