عين على مسار الثقة (الحلقة 49)…
يكثر الحديث في هذه الأيام الصعبة، عن التعليم وأهميته، لتبرز قيمته أكثر عن بعد، وتبرز معها المجهودات الجبارة التي تبذلها أسرة التعليم بكافة أطرها، لتتعهد لنا بمستقبل أجيال من التلاميذ والتلميذات، الذين يعانقون الكتب وينهلون من المعرفة.
أهمية هذا الموضوع، تتحدد من المكانة التي يوليها الفاعل السياسي، لهذا القطاع الذي لا محالة سيكون له اعتبار خاص لزمن ما بعد كورونا، وسوف نكون مجبرين على وضع خطة مستقبلية لهذا القطاع الحيوي، لأنه محضن تخريج الكفاءات التي يحتاجها الوطن.
ونحن بدورنا اخترنا التطرق لهذا الموضوع، من خلال سلسلة عين على مسار الثقة التي بدأناها معكم أحبتي منذ العام الماضي، وآثرنا أن نبسط بين أيديكم اليوم واحدة من الافكار والمنطلقات التي يقدمها حزب التجمع الوطني للأحرار، وخصوصا فيما يتعلق برؤيته لمسار الادماج وموضوع التربية والتعليم، فهي منطلقات تدعوا إلى عدالة اجتماعية وإنصاف وطني وإرتقاء في السلم الاجتماعي، بطموح كون المدرسة مشتل لتحرير الطاقات دون تمييز لبلوغ الطموحات.
مسار الثقة يعتير أنه لا يجب تفويت فرصة الاستثمار في إمكانيات الشباب بعدم تنزيل الاصلاح الشامل لمنظومة التعليم، وعيا منه بأن هذه المنظومة يجب أن تستوعب النهج الاستراتيجي الجديد، وأن تتبنى مخطط مسؤول بعيدا عن المقاربات الافتراضية لمخططات متداعية للإصلاح تأخذ بعين الاعتبار التراكمات السابقة.
كما جاء في هذه المنطلقات من مسار الادماج والتعليم الذي يريده الأحرار، أن هذا الإصلاح يقوم على ركيزتين أساسيتين أولها إشراك الفاعلين الاجتماعيين، والثانية تقوم على تجنيد المؤسسات الترابية وكذا المصالح المكلفة بالتعليم.
فمن خلال هذه المقدمة يتضح أن هدف الأحرار اليوم من مدرسة الادماج هو تمكين المواطنين في كل المراحل من حياتهم خاصة في موضوع التعليم لما له من أهمية قصوى، والنضال من أجله وأجل مدرسة المعرفة والمواطنة والعمل والمستقبل.
مدرسة المعرفة
تعالج مدرسة المعرفة العديد من المواضيع وتتطرق للعديد من الإشكاليات بعناوين واضحة للعيان، فمن حق كل التلاميذ تعليم أساسي جيد، باعتبار هذا الأخير معترك حقيقي ينبغي الإهتمام به، كما يجب الاهتمام بموضوع مغادرة الفصول قبل 15 سنة.. الذي يوضح الشروط الغير المتساوية بين المدارس في المدن والقرى، خاصة وأن مسار الثقة جاء ليترافع من أجل هذا الموضوع من خلال تعميم نموذج المدرسة الجماعية بغية محاربة الهدر المدرسي في الوسط القروي، بالاعتماد في تدبيرها وتمويلها عبر مقترحات للشراكة مع المجالس الإقليمية والجماعات المحلية خاصة مسألة المناطق القروية الجبلية وتعويض النقل بالداخليات، لجعل هذه الاخيرة أن تنخرط فيها امهات التلاميذ في جمعيات أو مجموعات ذات النفع الاقتصادي، تسير من طرفها وهذا ما سيمكن من راحة الأبناء وتوفير للأمهات دخلا قارا في هذا الإطار.
ويقدر عدد هذه المدارس التي يجب توفيرها 1100 مدرسة، لتحل محل تلك المدارس الابتدائية الموجودة الآن في وضعية متهالكة ليصل العدد الإجمالي ل 3 الاف مدرسة إضافة الى 13 الف فرعية.
إن 1700 مدرسة موجودة حاليا في حالة جيدة يجب التفكير كذلك في تأهيلها عبر مراحل بدأ من مدرسة جماعية إلى إعداديات وثانويات لمواجهة التحديات الكبرى كالتحول الديموغرافي ومحاربة الهدر بشكل فعلي.
أما بخصوص بناء هذه المدارس الجماعية ستكون عبر شراكة بين الدولة والجهات ومجتمع مدني، وشراكات أخرى مع القطاع الخاص، على شكل احتضان وهبات تفسح المجال للحق في الاستفادة من خصومات ضريبية.
فكما الوسط القروي الوسط الحضري هو الآخر يعرف آفة الهدر المدرسي، وللقضاء عليه يقترح الأحرار تعبئة المجتمع التربوي والوعي الهام بأن مغادرة المدرسة ليست سوى نتيجة حتمية لتركمات شهور بل سنوات أحيانا.
كل هذه المعطيات هدفها هو تعليم أولي للجميع مع العلم أن في المغرب يوجد مليوني طفل في سن ما قبل التمدرس، ولا يستفيد منهم إلا أقل من الثلث من هذا التعليم، لهذا فإن مسار الثقة يؤكد أن حزبنا سيترافع كي يكون التمدرس لكل الاطفال، بانخراط تام للجميع لانزال هذا الورش، في إطار مقاولات ذاتية، وجمعيات المجتمع المدني والمجالس المنتخبة وغيرهما من المتدخلين.
لا مناص إذن، من الدفاع أكثر، من أجل أن يكون التمدرس حقا يستفيد منه كل الأطفال منذ سن الثالثة مهما كان وضعهم الاجتماعي والجغرافي، كما أن يجب تعميم التعليم الأولي على كل الأطفال ما سيكلف الدولة ميزانية إضافية تقدر ب 16 مليار درهم، ومن تم لابد من اقتراح صيغ بديلة تقوم على إستثمار دور الحضانة في المجال الحضري، اما على المستوى القروي فستصبح المدارس الفرعية غير مستغلة ذات أهمية بفعل المدارس الجماعية المستحدثة، بعد تأهيلها.
إن مسار الثقة التجمعي، يضع نصب عينيه كل السبل لكي يتكفل القطاع الوصي بالتكوين الأساسي والمستمر للمربين في التعليم الأولي، عبر إحداث صندوق لمواكبة الإطار المرجعي البيداغوجي في السنوات الأولى، لكي يغطي جزءا من موارد وأجور المربين والمربيات الذين بدورهم عليهم تدبير أقسام التعليم الأولي في إطار مقاولات ذاتية، مع الالتزام بتحديد تعريفة إجتماعية للمستفيدين، وأيضا سيكون انخراط تام في هذا النموذج لجمعيات المجتمع المدني والمجالس الاقليمية والمحلية التي يمكنها تحمل بعض المصاريف كالماء والكهرباء وغيرها من الامور.
إن إدماج التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة يمثل أولوية داخل مسار الثقة باعتباره يدخل من باب المساواة في الحقوق والفرص، فتعليم وإدماج هاته الفئة أصبح ضرورة ملحة بالرغم من صعوبة الولوجيات ومشاكلها المتعددة، والمعرفة والتكيف البيداغوجي. ويرى التجمع أن من الواجب اليوم أن تحدد برامج خاصة بالمعارف التي يجب أن يستوعبها التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة، وفق حاجياتهم خاصة الذين من لهم إعاقات صعبة، مع الأخذ بعين الاعتبار الكفايات التي يجب عليهم اكتسابها حسب توجههم وليس فقط حسب طبيعة إعاقتهم.
كما سيترافع الأحرار من أجل تطوير وسائل مواكبة التلاميذ في حالة إعاقة، بتوفير متخصصين في المساعدة على الحياة المدرسية، قصد تمكين هذه الفئة من إتمام مسار تكوينها وتأهيلها بنجاح. فكل هذه المعيقات ستجعل الاحرار لكي يترافع من أجل تطوير جميع الوسائل من أجل أن يكون المستقبل الدراسي والادماج الإجتماعي مضمونا للجميع.
فالتركيز اليوم منصب على تمكين التلاميذ بعد اتمام مسارهم الدراسي، وكذا العدة اللازمة لنجاحهم في حياتهم المستقبلية، لأن واقع الحال اليوم يقول ان أكثر من 5 ملايين من الشباب غادروا الدراسة دون تأهيل ولا توجد لهم رؤية مستقبلية بخصوص مستقبلهم التكويني مع ضعف قدراتهم في الابداع.. وأيضا غياب معارف التعلم ومهارات التعلم الذاتي.. فهذا الذي جعل الاحرار اليوم يفكرون بصيغ ومضامين تعليمية تعتمد على وسائط معلوماتية تجعل من التعلم عملية ممتعة ببداغوجية تكون رافعة لعصرنة المنظومة المدرسية، وجعلها أداة فعالة في إدماج التلاميذ.
فمسألة التمكين ينبغي أن تكون بأسلوب بيداغوجي يقوم على مقاربة الإمتاع وترجمة المحتويات التعلمية إلى عدة أشكال مختلفة، كالاهتمام بالشعر والمسرح والموسيقى وبعض الحوامل السمعية البصرية التي تحتوي على الصور والصوت والكلمات بغية فهم أبسط وأفضل، أما في ما يخص الرياضيات كانت هنالك عدة اقتراحات أبرزها تعويد الاطفال على ملكة الفهم عوض الحفظ، مع تحفيزه على الحس النقدي…
في هذا الإطار ومن أجل التمكين و تجويد المدرسة وبرامجها التربوية، يقترح الأحرار اليوم القيام بتقييم لمستوى معارف التلميذ عبر اختبارات من أجل إتقان المضامين التعليمية الأساسية سواء في اللغات والرياضيات، وجعل نتائج الاختبارات عبارة عن مرآة لمردودية المدرسة وهيئة التدريس، بذلك ستبنى معطيات لأجل تحديد الميزانية المخصصة لذلك وكذا الإصلاحات التي يجب القيام بها داخل كل مؤسسة.
مدرسة المواطنة
إن النظرة المتمثلة في كون المدرسة المغربية مجرد جدران متداعية وطاولات وكراسي مهترئة، ومرافق صحية مقززة… يجب أن تمحى وأن تحل مكانها مدارس نظيفة وألوان زاهية مريحة والأهم هو معاملة التلميذ الذي يلج إليها باحترام لكي يكون هنالك نوع من الانضباط، ويبرز لنا دور التربية على المواطنة، الذي يدعوا إلى الإيمان بالقيم المشتركة والمبادئ الأساسية للعيش الجماعي، والانضباط واحترام الغير..
فمدرسة المواطنة يتعلم منها التلميذ المعنى الحقيقي للإحترام والانضباط والتقدير سواء لوطنه أو لمدرسيه المشرفين عليه، كالوقوف والتحية عند أي حصة دراسية، كما ويجب على المدرس مراقبة التلاميذ وتربيتهم على نظافة الملبس والمأكل، وبالتالي زرع منذ الصبى ثقافة الإهتمام بالذات مع برمجة حصص داعمة تقوم على التحسيس والتوعية، كما أن مدرسة المواطنة تركز على ارتداء الزي الموحد بشكل إجباري سواء للتلاميذ في التعليم العمومي أم الخصوصي.
فلا يجب أن تكون مدرسة المواطنة بمعزل عن المجتمع بل يجب أن تكون نموذجا منفتحا على محيطها من خلال الانشطة موازية، كالمعارض والرياضة، والمسابقات وغيرهما من الانشطة، بترسيخ مهم للثقافة في قلب المدرسة والنهوض بها، كتشجيع المطالعة والقراءة والاطلاع على الوسائط الرقمية وجعلهما مواد أساسية في العملية التعليمية، مع احياء الثقافة الفنية والفنون الحية، مع الامل بالنهوض بالجانب الثقافي للمدرسة المغربية، وجعلها كورشات اجبارية ببرامج وطني حسب برنامج وطني مسطر من طرف لجان مختصة وفنية.
بالموازاة يذكر مسار الثقة على الدور المهم الذي ستلعبه دور الشباب والمركبات الثقافية بجعلها فضاءات مكملة للمدرسة، عبر العديد من الانشطة الداعمة لمسار المدرسة، ومساهمة في تحسين الحس الثقافي لدى الاطفال والشباب، مساهمة في تحسين جودة حياتهم من خلال عروض أنشطة الشباب، وتوفير الفرصة لهم للإنخراط في أنشطة تستجيب لاهتمامتهم بغية قيم مواطنة واستقلالية في تحمل المسؤولية لدى الشباب،
ان مغاربة العالم يبقون في صلب اهتمامات التجمع، خاصة في جانب الثقافي والحضاري ومسألة ديننا الحنيف، واللغة والتاريخ… بإرادة متكاملة لا متجزئة ومقاربة تتيح لمغاربة المهجر أن يتعارفو ويعرفو ذواتهم وتقبلها على نحو إيجابي، كما أن مكانتهم المهمة داخل المجتمع المغربي من الواجب يرى التجمع بأن تنقل إليهم مغربيتهم.
فمدرسة المعرفة والمواطنة اللذان تحدثنا عنهما اليوم يبقيان محوران أساسيان ومهمان في إقتراحات الأحرار بغية إصلاح المدرسة، وطموح كبير لجعل الاهتمامات تصب نحو منظومة التعليم برؤية منهجية أساسها القيم والعلم والمعرفة في خدمة المواطنة الحقة.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط، رئيس لجنة الأطر التجمعية داخل الحزب، وعضو هيئة المهندسين التجمعيين