بقلم : الاستاذة فاطمة بننعيم ، محامية بهيئة الرباط
يعتبر رقمنة المحاكم المغربية أمرا ضروريا وملحا وخاصة في الوقت الراهن اللذي يعرف انتشارا واسعا للتكنولوجيا وكذلك الفيروسات القاتلة التي تنتقل بين الافراد مما يحتم على المحاكم تقديم الخدمات عن بعد ،وذلك لتخفيف الضغط عليها سواء من جانب المتقاضين الذين يرتدونها بالعشرات كل يوم وغيرهم من العاملين بها ،وحيث ان رقمنة المحاكم المغربية يدخل ضمنها المحاكمة عن بعد والتي تم اعتمادها لاول مرة في المغرب خلال الوضعية الوبائية الحالية والتي عرفت انتشار فيروس كورونا ،حيث قامت الدولة باتخاذ اجراءات احتياطية للحد من انتشار هذا الوباء الفتاك ،فتقرر وقف جميع الانشطة في جميع المجالات ومن بينها الايقاف المؤقت لجميع الجلسات في جميع المحاكم المغربية ،باستثناء مايتعلق بالجنحي والجنائي اي محاكمة الاشخاص المعتقلون في السجون والذين لا تتحمل وضعيتهم التاخير على الحالة ،على اعتبار انهم مسلوبي الحرية ما يجب البث في وضعيتهم باقصى سرعة ممكنة ،وعليه فان المغرب قرر اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد منذ ذلك الحين لجميع المعتقلين بحيث تم عقداول حلسة محاكمة عن بعد بتاريخ 27 ابريل 2020بالمحكمة الابتدائية بسلا وذلك بناء على قرار مشترك تم اتخاذه من طرف وزارة العدل والمجلس الاعلى للسلطة القضائية وكذا النيابة العامة والذي قضى بمنع احضار المعتقلين الى المحاكم وبالتالي اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد حفاظا على سلامة الجميع ،بحيث تم تجهيز السجون وكذلك المحاكم بجميع الوسائل الرقمية واللوجيستيكية اللازمة لذلك ،وعلى العموم فالمحاكمة عن بعد عرفت نجاحا مهما وعلى جميع المستويات فقد تم الافراج عن 7297 معتقل الى غاية 18 دجنبر 2020 المنصرم ،كما انه تم تخصيص غلاف مالي مهم قدره 4 ملايين درهم و705 الاف و800 درهم لمواكبة هذه التجربة الغير المسبوقة في المغرب ولتوفير جميع المستلزمات التقنية الضرورية من اجل محاكمة عادلة عن بعد،والتي ساهمت بشكل كبيرفي الدفع بالتحديث الرقمي في قطاع العدل وترسيخ ما تم بدؤه من قبل الوزارة المعنية من التطور والتقدم بهذا القطاع نحو ما هو افضل واحسن مما كان عليه على اعتبار ان التجديد والاصلاح مطلوب وباستمرار في اي قطاع وذلك من اجل دولة ديمقراطية ومتقدمة في جميع المجالات.
وبالرغم من بعض المؤخذات من بعض الحقوقيين عن عدم توفير ضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين ،الا ان تقنية المحاكمة عن بعد اتبتث نجاعتها وفعاليتها في تجنب تكديس المزيد من الملفات في رفوف المحاكم المغربية وخاصة في الفترة الراهنة والمرتبطة بتفشي الفيروس التاجي ،والتي كان الهدف منها حماية المعتقلين والسجناء من هذا الوباء وكذا اسرة العدل والامن الوطني والعاملين باالسجون وغيرهم …وسعيا من المغرب في الحد من تفشي هذا الفيروس الخطير بين عموم الشعب المغربي ،وبالتالي تغليب مصلحة المواطن والوطن قبل اي شيء اخر ،هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فان اي قراريتم اتخاذه تكون له ايجابيات وسلبيات والمفترض هو ان تكون الايجابيات تغلب على السلبيات ،ولنكن ايجابيين ولنترك القليل من السلبيات جانبا وتغليب مصلحة الوطن على الكل ،ونعتبر ان القرار الذي تم اتخاذه من طرف وزراة العدل بالاعتماد على تقنية المحاكمة عن بعد هو قرار صائب وحكيم في ظل الضروف الراهنة التي نعيشها ، ويبقى الاهم فقط هو تعميم هذه التقنية في جميع المحاكم المغربية وتوفير الوسائل التقنية والضرورية لذلك ،على امل ان يتم رقمنة جميع المحاكم المغربية في القريب العاجل وتجويد وتطوير الخدمات بها والارتقاء بها لتكون في المستوى المامول والمطلوب على غرار ماهو موجود في الدول الديمقراطية والمتقدمة ،وباعتبار ان قطاع العدل هو جد مهم وركيزة من الركائز الاساسية لتقدم وتطور اي دولة على وجه الكرة الارضية ،وهذا ما يسعى ويصبو اليه المغرب الا وهو الارتقاء الى مصاف الدول المتقدمة والديمقراطية ،عن طريق تجويد وتطوير جميع القطاعات ومنها قطاع العدل الذي يشهد العديد من التطورات والاصلاحات سواء على مستوى احداث المزيد من المحاكم وتقريب الخدمات من المتقاضي عن طريق رقمنة المحاكم،واحداث تقنية المحاكمة عن بعد التي نحن بصدد الحديث عنها، وغيرها من التطورات والتجديدات التي يشهدها هذا القطاع ،على امل ان يعطي ذلك ثماره سواء على المدى القريب او المتوسط او حتى البعيد،فما احوجنا الى محاكم نموذجية ومنظمة على جميع الاصعدة،والى قطاعات قوية ومتماسكة من اجل مغرب قوي ،متقدم و متطور في جميع المجالات.