مناورة جديدة للقفز على حقوق الضحايا وتكريس إفلات الجلادين من العقاب.
تعكف قيادة البوليساريو على محاولات حثيثة للتحايل على ضحايا انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، حيث تروج أنباء في الأساط المحسوبة عليها، حول عرضها لتعويضات مالية تصفها نفس المصادر بـ”المجزية”، بنية طي ملف تلك الانتهاكات دون تسويتها بالطرق المتعارف عليها في كافة تجارب العدالة الإنتقالية..
مناورة تقدم عليها قيادة الجبهة، بعد أن بات ملف الضحايا يؤرقها في المحافل الدولية ولدى الهيئات الحقوقية الوازنة. خاصة بعد انكشاف تهريب زعيمها الى اسبانيا للافلات من المتابعة القضائية، والتداول الإعلامي لتاريخه الإجرامي، باعتباره أحد المتورطين في جرائم ثقيلة، من ضمنها القتل، الإختطاف، الإغتصاب والتعذيب…
فمنذ تدشين الضحايا لحراكهم الشعبي قبل سنتين ونيف من الآن، وتسجيلهم لعديد الشهادات المروعة حول تجاربهم في الإختطاف والاعتقال والتعذيب، فقد تسببوا في انهيار ما تبقى من مصداقية قيادة البوليساريو، بعد أن كشفوا عن فظاعات مهولة وطرق تعذيب وحشية أشرفت عليها بشكل مباشر عديد القيادات في الجبهة، بمعية بعض المسؤولين الأمنيين الجزائريين..
وكان حراك الضحايا قد تكلل بمراسلة موجهة لمؤتمر البوليساريو الـ 15 المنعقد في ديسمبر 2019، حيث أبانوا عن مستوى منقطع النظير من التسامح والتوافق، فلم يزيدوا على المطالبة بعزل الجلادين المتورطين في الانتهاكات الجسيمة التي طالتهم وعدم التجديد لهم في مسرحية التصويت في مؤتمر الجبهة، لكنهم جوبهوا بتنكر فاضح لحقوقهم..
فقد عمدت القيادة المتورطة في الإنتهاكات إلى التجديد لعهداتها على رأس البوليساريو في ذات المؤتمر، ليخرج براهيم غالي بتصريح عمق جراح الضحايا، حين عرض ما وصفه بـ”الصفح” عنهم من طرف ما أسماه بـ”الشعب”، مستثنيا “من التحقوا بالعدو”، بحسب تعبيره، في كناية عن الضحايا الذين مارسوا أحد حقوقهم الأساسية المتمثل في العودة لوطنهم، والفرار بجلدهم من بطش وإجرام القيادة..
ورغم كون البوليساريو كيانا غير دولتيا، ما يحيل على مسؤوليات الجزائر، كونها الدولة التي وقعت الإنتهاكات على ترابها الإقليمي في تيندوف، بخصوص إعمال المساطر القانونية وتفعيل ولايتها القضائية، إلا أن قيادة الجبهة تتحمل المسؤولية الجنائية فضلا عن مسؤولية تنظيم البوليساريو السياسية والأخلاقية، كون تلك الجرائم وقعت براعيته وبمبرر الصلاحيات المخولة داخله، فضلا عن تزكيته لها وإعمال أجهزته الدعائية والسياسية للتشهير بالضحايا وتبرير الجرائم التي ارتكبت في حقهم.
عموما تظل الإجراءات التي تحاول البوليساريو القفز بها على حقوق الضحايا مجحفة في حقهم، فلا يمكن اقتصار تلك الحقوق في ماهو مادي فقط، فمن اختطف وعذب وأقبر لسنوات طويلة، في إطار الإستهداف بناء على المعطى القبلي والمناطقي، كيف سيرضى أو يرضى ذووه ببيع حقوقهم مقابل مبلغ مالي، وهم يرون المجرمين والقتلة والسفاحين من الجلادين لا يفلتون من العقاب والمحاسبة فحسب، بل ويتقلدون المناصب القيادية، ويتسلقون المسؤوليات التنظيمية، ويتمتعون بحصانة الدولة المضيفة (الجزائر)، دون أي اعتبار لمشاعر الضحايا وذويهم..
لا يخفى على أي مهتم بقضايا العدالة الإنتقالية، أن الانصاف لا يتم إلا بالإعتراف الصريح بماضي الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وتقديم الإعتذار للضحايا، فضلا عن عزل الجلادين المشتبه في تورطهم في الانتهاكات ومحاسبتهم، فيما لا يكون جبر الضرر المعنوي والمادي إلا تحصيل حاصل، بعد أن يرد الإعتبار للضحايا ويفسح لهم المجال للتعريف بمعاناتهم عن طريق مجموعة من الآليات الحقوقية كجلسات الإستماع والبوح، فضلا عن الإعتناء بإرث الإنتهاكات الخاص بهم وحفظ الذاكرة الحقوقية..
وأما في البوليساريو فما يتم حتى حدود اليوم، هو الإصرار على استهداف الضحايا وتخوينهم، وتسليط رعاع القيادة وذبابها عليهم، بمبرر شعارات سياسوية تحاول القيادة الإجرامية أن تجعل منها معيارا لتصنيف الناس ومبررا لمصادرة حقوقهم، في حين أنها تفضح طبيعة الجبهة وتكشف حقيقتها الإجرامية والعنصرية، باعتبارها تنظيما يرعى الإجرام والمجرمين، ويصادر الحقوق الأساسية، ويعمل المخططات الإقصائية والإستئصالية في حق الصحراويين أنفسهم بناء على المعطى القبلي والمناطقي..
الصورة لمجموعة من الشهداء المغتالين غدرا في سجون البوليساريو الرهيبة..
✍️ محمد سالم عبد الفتاح