الفهرية لمزوري / جسر بريس
تأكيداً على ماجاء في خطاب عيد العرش المجيد حول أهمية ومكانة مغاربة العالم وارتباطهم الوثيق بوطنهم الأم نحاور السيد: المصطفى المريزق استاذ التعليم العالي، باحث في قضايا الهجرة، فاعل مدني وحقوقي و الرئيس الناطق الرسمي لمنتدى مغرب المستقبل- حركة قادمون وقادرون، حول الرؤية الملكية والمقاربة الواقعية لقضايا مغاربة المهجر .
تجدر الإشارة الى ان الاستاذ المصطفى المريزق له كتاب بعنوان “الطريق الرابع” يطرح فيه ارضية معالجة المشاكل والحلول المقترحة لمغاربة العالم.
بعد الإشادة الواضحة لصاحب الجلالة محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب بمغاربة العالم مسلمين كانوا أم يهود على كل الجهود المبذولة من طرفهم من اجل الدفاع على وحدة وطنهم الأم.
1/ ماهي قراءتكم لهذه الإشادة ؟
بداية، شكرا سيدتي على هذه الالتفاتة الإعلامية الكريمة.
نعم، مباشرة بعد الخطاب الملكي السامي مساء يوم السبت 20 غشت 2022، بمناسبة الذكرى الـ69 لثورة الملك والشعب، تفاعلنا بروح وطنية مع مضمونه الصادق، والذي جاء ليؤكد للجميع، أكثر من أي وقت مضى، على ما حققته بلادنا من إنجازات كبيرة، على الصعيدين الإقليمي والدولي، لصالح الموقف العادل والشرعي للمملكة بخصوص مغربية الصحراء، وتعزيز الموقف البناء من مبادرة الحكم الذاتي، لمجموعة من الدول عبر العالم، وفتح صفحة جديدة في علاقات الثقة، وتعزيز الشراكة النوعية، مع هذه البلدان الصديقة، معتبرا إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات.
ذات الخطاب الملكي، أثلج صدرنا، وعزز الثقة في إمكانياتنا وقدرتنا، على جعل أرضية “الطريق الرابع” المتعلقة بمغاربة العالم
برنامجنا المتواصل للمزيد من الترافع الأفضل على مطالب هؤلاء المغاربة أينما تواجدوا. فقد حدد الخطاب، بدقة واضحة، العديد من الظواهر الاجتماعية والقضايا الحيوية من خلال مؤشرات موضوعية لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد. فإنه في هذه المرحلة التي نعيشها الآن، وبالنظر للتطلعات المتجددة لـ”مغاربة العالم”، قال جلالة الملك بشكل واضح: “حان الوقت لتحديث وتأهيل الإطار المؤسسي، الخاص بهذه الفئة العزيزة من المواطنين.. وإعادة النظر في نموذج الحكامة، الخاص بالمؤسسات الموجودة، قصد الرفع من نجاعتها وتكاملها”، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل المؤسسات العمومية، وقطاع المال والأعمال الوطني، للانفتاح على المستثمرين من أبناء الجالية؛ وذلك باعتماد آليات فعالة من الاحتضان والمواكبة والشراكة، بما يعود بالنفع على الجميع. وهذا ما ناضلنا من أجله قبل وبعد ميلاد منتدى مغرب المستقبل-حركة قادمون وقادرون.
ومن ثم فإنه مثلما تعطى فرص عديدة لـ”مغاربة الداخل”، وفي إطار الإنصاف والمناصفة، فإننا ندرك في ذات الوقت المعاني المتضمنة في الخطاب، والذي شدد على ضرورة إقامة علاقة هيكلية دائمة، مع الكفاءات المغربية بالخارج، بما في ذلك المغاربة اليهود. والدعوة الصريحة لإحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها، وهذا بالضبط ما حاولنا طرحه والدفاع عنه في أرضية “الطريق الرابع” حول مغاربة العالم، حتى نستطيع أن نجعل من قضيتهم قضية حيوية، وحتى نستطيع باسم “منتدى مغرب المستقبل-حركة قادمون وقادرون، الترافع إراديا في تطورها، والتجاوب مع أعماق ذواتها وإرادتها، باعتبارها قضية مفصلية تخص أزيد من 5 ملايين نسمة، مازالت جذورها التاريخية الأولى حاضرة في التطورات العديدة والمتتابعة التي شهدتها منذ أزيد من 100 سنة، والتي باتت اليوم معروفة بقوة دعمها للقضية الوطنية، و بدفاعها المستميت عن مغربية الصحراء، بكل ما تتوفر عليها من كفاءات عالمية، في مختلف المجالات، العلمية والاقتصادية والسياسية، والثقافية والرياضية وغيرها، وهذا مبعث فخر للمغرب والمغاربة جميعا.
2/ وهل مغاربة العالم هم ثروة بشرية كمية ونوعية إضافية لوحدة الصف الداخلي للمملكة ؟
كان خطاب الملك واضحا وقيمة مضافة في المسار المتتابع لقضية مغاربة العالم، حيث طرح قضايا عديدة تدعونا للحوار والترافع بدون هوادة، سواء تعلق الأمر باشراكهم في مسار التنمية، أو بالعمل والاستقرار بالمغرب، أو عبر مختلف أنواع الشراكة، والمساهمة انطلاقا من بلدان الإقامة. طبعا، مغاربة العالم ثروة حقيقة، ورأس مال بشري كمي ونوعي عظيم.
فإذا كانت الهجرة المغربية ظاهرة قديمة، فهي اليوم غيرت أشكالها وأبعادها واتجاهاتها، وأسبابها ونتائجها. كما أن استمراريتها وحدتها وشموليتها وتداخل اتجاهاتها تثير اليوم أسئلة عديدة تستدعي علاقة بديلة مع مكوناتها لما تمثله من روابط عائلية واجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية مع البلد الأصلي وفي علاقات الإنتاج والتبادل بين الدول. وهذا هو ما يجعل دورها محوري في تعزيز اللحمة الوطنية للمزيد من رص الصفوف وتقوية وحدة الصف الداخلي للمملكة.
3/ هل يعاني مجلس الجالية المغربية بالخارج من انعدام الحكامة الفعلية والواقعية في رؤية سديدة لمشاكل المغاربة المقيمين بالمهجر؟
في خطابه التاريخي بمناسبة الذكرى الـ69 لثورة الملك والشعب، طرح ملك البلاد أسئلة جوهرية عديدة ومهمة جدا، لها علاقة بسؤالكم، وهي كالتالي: “ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟ وهل الإطار التشريعي، والسياسات العمومية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم ؟ وهل المساطر الإدارية تتناسب مع ظروفهم ؟ وهل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟ وهل خصصنا لهم المواكبة اللازمة، والظروف المناسبة، لنجاح مشاريعهم الاستثمارية؟”. وهذا أعتقد له علاقة مباشرة مع سؤال الحكامة، كما أنه دعوة صريحة لفتح صفحة جديدة للنهوض الفعلي والواقعي بمؤسسات الهجرة، سواءً من خلال الإطار التشريعي لتلك المؤسسات أو من خلال نموذج الحكامة المطلوب، و ضرورة تفعيل المؤسسات العمومية، وخلق آليات جديدة فعالة للاحتضان والمواكبة والشراكة، بما يعود بالنفع على الجميع.
4/ ماهي السبل الناجعة والفعلية لإدماج مغاربة العالم في الاستثمار وفي سوق المال والأعمال داخل الوطن الأم ؟
إن » الطريق الرابع « يعتبر أن مغاربة العالم إمكان فعلي وقوة حقيقية للتغيير داخل المجتمع المغربي، وجزء من حل العديد من المشاكل والأزمات التي يتخبط فيها المغرب، باعتبارهم قنطرة أساسية للإشعاع الخارجي للوطن، ونافذة حقيقية يطل من خلالها المغاربة على عالم الحداثة وما بعدها.
كما يعتبر أن الجيل الجديد من مغاربة العالم يمثل فرصة حقيقية لمد جسور الشراكة والتعاون والصداقة مع العديد من الدول والثقافات والقيم، باعتبارهم رأس مال مادي، ثقافي واجتماعي ورمزي، وفاعل أساسي، اقتصادي ومدني وسياسي وثقافي، في الدول الديمقراطية والمؤسسات والجمعيات والمنظمات الدولية غير الحكومية.
وإذا كان ورش الجهوية المتقدمة يعتبر اليوم إطارا ملائما لبلورة استراتيجية بديلة لنموذج اقتصادي واجتماعي وثقافي جديد من أجل ترسيخ الديمقراطية التشاركية وتطوير البناء الجهوي اللامركزي وتحقيق التنمية الشاملة والحفاظ على الوحدة الترابية، فإن تحقيقه على أرض الواقع يستوجب ربطه بالمواطنة الكاملة لمغاربة العالم وتجاربهم واسهاماتهم الرائدة في المشاركة وتدبير الشأن العام كفاعلين أو منتخبين أو في مناصب عليا في بلدان المهجر، كما تشهد على ذلك عدة تجارب في فرنسا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، الخ.
و لتفعيل وتحقيق ما سبق من أجل نهضة حقيقية لمغاربة العالم، يدعو “الطريق الرابع” إلى ما يلي:
♦️ وضع ميثاق وطني يحدد حقوق مغاربة العالم وواجباتهم انطلاقا مما نص عليه دستور المملكة.
♦️ تجديد هياكل مجلس الجالية المغربية بالخارج وتوسيع مهامه وصلاحياته، وخلق مجالس جهوية للجالية المغربية (CRCME).
♦️ إحداث متحف وطني خاص بمغاربة العالم ومسارات تاريخهم وحاضرهم.
♦️ تنظيم ملتقى سنوي لتبادل التجارب وترصيدها فيما يخص قدرة المغاربة على الاندماج والتطور في بلدان المهجر، وتشجيعهم على القيام بدور فاعل في نشر وتعزيز قيم الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والعيش المشترك بين مختلف مكونات مجتمعات المهجر.
♦️ تنظيم ندوة وطنية حول كل الاتفاقيات التي تربط المغرب ببلدان المهجر وجعلها أكثر تناسقا وملاءمة.
♦️إحداث دور اجتماعية وثقافية لشباب مغاربة العالم في كل جهة من جهات المملكة وفي بلدان المهجر، لتعليم اللغات، وتلقين الثقافة المغربية للأجيال الصاعدة.
5/كيف يمكن للمغرب الاستفادة من ابنائه المهاجرين في المساهمة بخبراتهم بتطوير والرفع من وثيرة التطور والنماء الذي تشهده بلادنا ؟
من المعلوم أن الهيئة المغربية لسوق الرساميل، أفادت في الآونة الأخيرة، أن مغاربة العالم تصدروا قائمة المساهمين في الاستثمارات الأجنبية في سندات هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة عند متم سنة 2021، بمبلغ 02 ،1 مليار درهم، أي06 ، 39 في المائة من إجمالي المبالغ المستثمرة، وأوضحت ذات الهيئة في تقريرها حول الاستثمار الأجنبي أن مغاربة العالم، سنة 2021، جاؤوا متبوعين بالأشخاص الذاتيين الأجانب غير المقيمين، الخ.
هذا مثال من الأمثلة التي تدعو الحكومة عاجلا، لاحترام خارطة الطريق التي دعى إليها ملك البلاد على كافة المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والتنموية، داعية في الوقت ذاته إلى ضرورة الانكباب على هذا الملف. كما يؤكد هذا، مطلبنا الخاص والمتعلق بضرورة الإسراع ب:
*تنظيم مناظرة وطنية تجمع كل المؤسسات الحكومية ومغاربة العالم حول التحديات التي بات يواجهها مغاربة العالم، وتقييم كل ما يتصل بالسياسات العمومية للمملكة تجاه مواطنيها المهاجرين، ودعم كل جهود ومبادرات الدفاع عن المصالح المشروعة لهؤلاء، داخل المملكة وخارجها، وتفعيل كل التوجهات الملكية الداعية لتقوية مساهمتهم في التنمية الاجتماعية والبشرية للبلاد وتعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين المغرب وبلدان المهجر، في تلاؤم تام مع التطورات البارزة التي عرفتها الهجرة، خلال العقود الأخيرة؛
*اعتماد سياسة جديدة ومنتوج ثقافي متنوع وجيد، يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات التاريخية والثقافية لكل بلد من بلدان الإقامة وفي المقام الأول، الإطار القانوني والمؤسساتي الخاص بالشعائر. وينبغي أن يستند هذا التوجه إلى الاستفادة من التكنولوجيا الجديدة للاتصال ومن القدرات والمؤهلات المتوفرة لدى مغاربة العالم لإفساح المجال، من جهة، لنشر الثقافة والفنون الشعبية، وأيضا للإبداع المعاصر الجمعي/التعددي، من جهة أخرى. وينبغي أن يعكس ذلك أيضا داخل المغرب الدينامية الثقافية للمهاجرين وللمبدعين منهم بصورة خاصة ( كما نص على ذلك الرأي الاستشاري المتعلق بإحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج (CCME) ؛
*خلق منصة رقمية موحدة بتنسيق وشراكة مع القطاعات الوزارية المعنية وخاصة وزارات الشؤون الخارجية والتعاون، المالية، العدل، الشؤون الإسلامية، التربية الوطنية، الوزارة المنتدبة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، ومؤسسات أخرى كالأبناك وشركات النقل ووكالات نقل الأموات، بحكم الطابع الأفقي للهجرة؛
*خلق صندوق خاص لتقديم كل أشكال الدعم والتأمين والمساندة الملائمة لشرائح المهاجرين المغاربة ذوي أوضاع هشة أو مهمشة في بلدان الإقامة، وذلك بمساهمة الأبناك المغربية المستقبلة لتحويلات مغاربة العالم. و إحداث مرصد لاستشراف المسالك الواعدة للهجرة الشرعية، اعتبارا للتطورات الجارية أو المتوقعة في بلدان الهجرة من النواحي التكنولوجية والاقتصادية والمالية والقانونية والسياسية، وتوسيع مجتمع المعرفة والنهوض بالموارد البشرية؛
*إحداث قناة إعلامية خاصة بمغاربة العالم وقضاياهم الاستثمارية والاجتماعية والثقافية والرياضية، تعكس التنوع الثقافي، والتوسع الديمغرافي و التشتت الجغرافي والتحولات التي عرفتها الهجرة المغربية، في عقود قليلة، وما طرحته وتطرحه باستمرار على السلطات الحكومية المغربية من تحديات واكراهات، تستدعي إيجاد أجوبة مؤسساتية ملائمة في مستوى الرهانات المتعددة والمتجددة.
فرغم استقرارهم الدائم والمستمر والمسافة الفاصلة بين مناطق الاستقرار والوطن الأصلي، فإن مغاربة العالم يحافظون على علاقات متينة مع بلدهم، من تجلياتها تنقل ما يزيد عن مليون مغربي منهم إلى الوطن في صيف كل سنة، وتغطية ما يقارب 32 في المائة من العجز التجاري، حيث يعتبرون ثالث مصدر للنقد الأجنبي في المغرب بعد قطاع السياحة ومبيعات الفوسفاط، حيث أوضح البنك المركزي، في بلاغ عقب الاجتماع الفصلي الثاني لمجلسه برسم سنة 2022، أنه “بعد المستوى القياسي البالغ 93,7 مليار والمسجل في 2021، يرتقب أن تعود تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج إلى مستويات ما قبل الأزمة، لتصل إلى ما مجموعه 87,3 مليار في 2022 وإلى 84 مليار في 2023. كما أضاف ذات المصدر أن مداخيل الأسفار، التي استفادت من إعادة فتح الحدود وإطلاق عملية مرحبا، يرتقب أن تسجل انتعاشا تدريجيا، لتنتقل من 34,3 مليار درهم في 2021 إلى 54,3 مليار في 2022 وإلى 70,9 مليار في 2023.
وأخيرا، ندعو النخب المغربية المؤمنة بقضية مغاربة العالم، إلى التحرك بقوة من أجل مطالبة الحكومة والبرلمان بالتفعيل العاجل، الجاد والمسؤول، لخارطة الطريق التي أعلن عنها الملك، ومطالبة كل المؤسسات المعنية، باحترام مضمون الخطاب الملكي، واحترام الدستور المغربي، لضمان حقهم في الحياة وصون كرامتهم، من دون قيد أو شرط.
قضية مغاربة العالم، أصبحت أولوية من أولويات الإسهام في بناء مغرب المستقبل، الذي نحلم به، وركن من أركان المواطنة الكاملة، ودعامة أساسية لبناء النموذج التنموي الجديد.