توجه وكالة الأنباء الجزائرية ومن بعدها وسائل الإعلام وصحافة بلاد الكابرانات سهام النقد والسب والتهجم على البرلمان الأوربي بعد إصداره بيانا وتوصية يندد فيها بواقع التضييق على حريات الصحافة والصحافيين في الجزائر، ويطالب بالإفراج عن المعتقلين منهم في السجون. ولم تتوقف الحملة التي دشنتها وكالة الأنباء الجزائرية منذ يوم أمس ضد البرلمان الأوربي لتتهمه بفقدان المصداقية وتعتبر البيان ضربا في “مصداقيته التي طالتها فضائح فساد شملت العديد من نوابه”. ومن يقرأ المقالات التي تتناسل هذه الأيام في الجزائر ضد البرلمان الأوربي لا يمكن أن يصدق أبدا أن هذا البلد هو نفسه الذي سبق أن دافع عن البرلمان الأوربي وقراراته عندما كان الأمر يتعلق ببيانات تهاجم المغرب وتفتري عليه وتتهمه بتوجيه الرأي العام الأوربي على خلفية قضية بيغاسوس المفبركة.
لقد انقلب السحر على الساحر على ما يبدو، وأظهر الإعلام الجزائري وجهه الحقيقي القائم أساسا على الكيل بمكيالين واعتماد الخطاب المزدوج وتبني المعايير المزدوجة. بالنسبة إلى إعلام الكابرانات فإن البرلمان الأوربي يعتبر مؤسسة مقدسة عندما يكون دوره هو مهاجمة المغرب والافتراء على مسؤوليه والتشويش على مساره في التقدم والتنمية، ويتحول هذا البرلمان نفسه فجأة إلى شيطان وزعيم عصابة وكذاب لعين عندما يتعلق الأمر بانتقاد أوضاع حقوقية متردية يعرفها الجميع في الداخل والخارج، ويطالب بتصحيح وضع غير سوي يهم العاملين في ميدان الإعلام بالجزائر، بعد أن طالتهم يد الدولة البوليسية وكتمت حقهم وحريتهم في التعبير.
على الإعلام الجزائري، وخصوصا وكالة الأنباء الرسمية إذاً أن تكون حذرة في تقدير المواقف والتعبير عن الأحكام وقراءة الأحداث التي تتعلق بعلاقة البلاد بمؤسسات خارجية دولية أو إقليمية. نحن لا ننكر أن البرلمان الأوربي قد يتدخل فعلا في الشؤون الداخلية لبعض الدول ويقحم نفسه في قضاياهم ومشكلاتهم، لكن هذا ليس هو المهم في نظرنا، الأهم هو أن نمتلك وحدة في الموقف وانسجاما في الرؤية، وألا نعبّر عن الرأي ونقيضه في الوقت نفسه. لا يعقل أن تدافع وكالة الأنباء الجزائرية قبل بضعة أشهر عن التوصية التي أصدرها البرلمان الأوربي ضد المغرب، وتمدح المؤسسة والنواب الذين كانوا وراءها، ثم تعود اليوم فجأة إلى كيل كل أشكال السباب والشتم والنقد اللاذع ضد المؤسسة نفسها.
هذا السلوك يسمى في علم النفس الانفصام، وهو مرض معروف يعيش أصحابه بشخصيتين، تكونان أحيانا متناقضتين. والظاهر اليوم أن هذا هو حال إعلام الكابرانات، إنه إعلام أضاع البوصلة تماما بعد أن اعتاد لفترات طويلة على التقارير المؤدى عنها التي تمدح وتلمع الصورة وتقدم شعورا مزيفا بالاعتزاز والانتماء والارتياح للمسؤولين الجزائريين، بينما الواقع المرير يعصف براحة المواطن الجزائري البسيط الذي يعرف حقيقة ما يجري ويدور داخل بلاده في شتى المجالات. هل كان المواطن الجزائري أصلا في حاجة إلى بيان أو توصية من البرلمان الأوربي كي يدرك أن هناك تضييقا على حرية الصحافة في بلاده؟
اليوم يذوق الكابرانات من الكأس نفسها التي حاول أن يذيقوها للمغرب قبل فترة عندما تم النفخ في ملف مفبرك تحت مسمى استخدام تطبيقات التجسس، وتبين لاحقا أن التحقيق الصحافي الذي شاركت فيه العديد من وسائل الإعلام والصحف الغربية، كان مجرد فقاعة سرعان ما أظهر القضاء أنها فارغة ولا تعتمد على أي أدلة معتبرة ومتينة. الكأس نفسها التي حاول الكابرانات أن يسقونا منها يتجرعونها اليوم وهم يتحسرون على “الطعنة الأوربية” التي تسيء لصورة الجزائر على حد وصف وكالة الأنباء. وماذا عن صورة المغرب التي حاولت بعض الأطراف النيل منها في المؤسسات الأوربية؟ ألم يكن المغرب أيضا ضحية المنطق نفسه الذي تتحدث عنه اليوم الصحافة الجزائرية؟