تدور حالياً العديد من تساؤلات عن مصير العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وجنوب إفريقيا، وذلك بعد إجبار جاكوب زوما، الرئيس السابق، على الاستقالة. في 2004، اعترف مبيكي بجبهة البوليساريو، ردَّت الرباط بسحب سفيرها من جنوب إفريقيا، ودامت القطيعة بين البلدين ما يزيد على عقدٍ من الزمان. وقد سبق ذلك بعقودٍ، خروج المغرب من الاتحاد الإفريقي في 1984، رداً على قبول الاتحاد دخول البوليساريو كدولة عضو في الاتحاد. وبعد وصوله لسدة الحكم، أعاد زوما تلك العلاقات إلى ما كانت عليه، قائلاً إنه على الرغم من وجود خلافات في وجهات النظر بين الدولتين فيما يخص ذلك الأمر، فإنه “يجب ألا نترك هذا الخلاف يتسبب في قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولةٍ مثل المغرب”. لكن ذلك كله لم يكن سوى تحرك دبلوماسي لم يمنع الكثير من الصراعات بين الطرفين إثر محاولات المغرب العودة للاتحاد الإفريقي في 2016، وهو ما رفضه زوما كثيراً وكان بالنسبة له مسألة حياة أو موت. استمر ذلك الصراع كثيراً حتى تغير الأمر في فبراير 2017، بينما كانت جلسة الاتحاد منعقدةً في أديس أبابا ودارت رحى الحديث في الكثير من القضايا، لم تكن من بينها قضية المغرب. المغرب يريد أن تُقر حدوده بشكل كامل، وجنوب إفريقيا في الجبهة المقابلة تترأس الرفض، وترى أن البوليساريو دولة لها حق الوجود. تغير الأمر كله بتدخل الرئيس الغيني، ألفا كوندي، مباشرة مع زوما، مطالباً إياه بأن يُخضع الأمر للتصويت والديمقراطية وأن تكون نتيجة وجود المغرب خاضعة لرأي أعضاء الاتحاد، وبناء على الرسائل التي وصلت من الدول الأعضاء، اضطرالاتحاد إلى اعتبار المغرب عضواً في الاتحاد الإفريقي من جديد. لكنّ ذلك لم يُنهِ شعور العداء بين الطرفين، خاصة أنه لولا تدخُّل كوندي لما تم الأمر. ظهر شعور الارتياح في الأوساط المغربية مؤخراً، بعد خروج زوما من منصبه، مع العديد من التساؤلات عن طبيعة العلاقة في الفترة القادمة، لا سيما أن رامافوزا، الرئيس الحالي، كان نائباً لزوما، وهو ما يطرح تساؤلات عن طبيعة السياسة التي ستنتهجها جنوب إفريقيا حيال التعامل مع المغرب في الفترة القادمة.
لم تسقط بالتقادم
ومع أنه لم يكن الرئيس وقتها، فإنه هو المسؤول الأول عما جرى حينئذٍ؛ إذ تعود أصول أزمة الفساد التي هددت عرش زوما إلى عام 1999، حينما كان نائباً للرئيس نيلسون مانديلا. جرت صفقة وقتها لزيادة تسليح جنوب إفريقيا من بعض البلدان الأوروبية بتكلفة تتراوح ما بين 3 و5 مليارات دولار، والتي تشمل غواصات حربية ومعدات تسليح. وقتها، عمل زوما على تحقيق مكاسب خاصة لنفسه، واستطاع بفضل وجوده في مؤسسة الرئاسة أن يتفادى خضوعه لأي تحقيق أو انكشاف لأمره.
ومع ذلك صار رئيساً!
تجددت الدعاوي القضائية ضد زوما عام 2007، وكانت كلها تتعلق بتهم الفساد بإجمالي 18 دعوى قضائية؛ وكان حينها نائباً للرئيس مبيكي، الذي وضعه في موقف محرج أن يكون نائبه ملاحَقاً قضائياً، فقرر مبيكي إجبار زوما على تقديم الاستقالة، وهو ما تم بالفعل. الغريب في الأمر أنه وحينما تقدَّم زوما للترشح في الانتخابات على مقعد الرئيس في عام 2009، سقطت كل الدعاوى القضائية ضده بقرارٍ من المدعي العام، وهو القرار الذي أثار جدلاً حينها، وطالبت قوى المعارضة بإعادة النظر فيه، لكن اتهمهم زوما بمحاولة التدخل السياسي في الشؤون القضائية.
وبعد استقالة زوما في 14 فبراير 2018، بدا الأمر واضحاً للعيان، فأعلنت المحكمة العليا في جنوب إفريقيا أن إسقاط الدعاوى عن زوما كان أمراً غير منطقي، وأضاف خبراء أنه ليس من الصواب أن يُعاد التحقيق مع زوما من قِبل المدعي العام أبراهامز والمعروف بقربه من زوما. ربما كان ذكاء زوما السياسي هو ما ساعده في الخروج أمام الجموع عام 2009، بدور الضحية، ليكسب تأييد الفقراء بجنوب إفريقيا ويصل في النهاية إلى كرسي الرئاسة الذي طالما حلم بالوصول إليه، وقد نزع عن نفسه أخيراً عباءة “نائب الرئيس”.
خطط للتقاعد في دبي
وكشفت وكالة الأنباء الفرنسية، في وقت سابق من العام الماضي (2017)، عن محادثاتٍ سرية بين شركةٍ تُدعى “الإخوة غوبتا” ونجل الرئيس زوما، عن صفقاتٍ مشبوهةٍ بين الطرفين، وقد برز من خلالها تلقي شركة غوبتا 370 مليون يورو إثر صفقةٍ بين شركة تراسنت العامة للسكك الحديدية وشركة قاطرات صينية. ومن بين ما ورد في المحادثات، أن الرئيس زوما يخطط للحصول على فترة تقاعد مريحة في قصرٍ بدبي تمتلكه “الإخوة غوبتا”. وقد برزت تلك القضية كواحدة من القضايا الهامة المرفوعة ضد زوما، مع الكثير من القضايا الأخرى التي تحمل شبهات الفساد المالي والإداري.
لن يدخل السجن بسهولة!
صرح الاستشاري بجامعة كيب تاون، بيير دي فوز، بأن أمر دخول زوما السجن قد يستغرق سنوات، فلقد كانت لعبة الرجل دائماً هي استغلال الثغرات القانونية ودفع الأموال للمحامين لتجنُّب الخضوع للمحاكمة؛ وهو ما يطرح العديد من التساؤلات عن تلقي زوما عقوبة عن جرائم الفساد التي تلاحقه منذ سنوات طويلة. وفي سياق متصل، أعلن الرئيس الحالي لجنوب إفريقيا (الذي شغل منصب نائب الرئيس الأسبق زوما)، سيريل رامافوزا، أن الحكومة قد أنفقت 1.3 مليون دولار كنفقاتٍ للدفاع عن زوما، وأن الحكومة ستستمر في ذلك حتى يُفصل في القضية، وإذا ما تبين في النهاية أن زوما مُذنب فسوف تطالبه الحكومة بسداد تلك النفقات.
وفي الوقت نفسه، رفضت قوى المعارضة ذلك الأمر وقالت إن زوما مجبَر على تحمُّل نفقات الدفاع عن نفسه. ورداً على ردود الفعل الغاضبة إزاء استمرار الحكومة في تحمُّل نفقات الدفاع عن زوما، ذكر رامافوزا في رسالة موجهة للمعارضة، أن الجرائم التي يقال إن زوما قد ارتكبها حدثت في أثناء توليه منصب حكومي، وأنه حتى الآن لم تثبت إدانته، كما أن هناك اتفاقية سابقة بين زوما والرئيس مبيكي في عام 2006، تقضي بأن يسير الأمر بهذه الطريقة.
الحزب الحاكم يضحِّي بزوما من أجل الانتخابات
شكّلت أزمة زوما نكبة جديدة من بين عدة نكبات أصابت الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا خلال الفترة الماضية، فجنوب إفريقيا هي الدولة التي تترأس البرلمان الإفريقي، وهو ما يضرب سمعة جنوب إفريقيا كدولةٍ تشغل ذلك المنصب الحيوي. وقد كان واحداً من الدوافع الهامة التي حركت الحزب الحاكم لجعله الرئيس السابق زوما يُقْدم على الاستقالة، هو ذلك الوضع الحرج الذي يعانيه الحزب، وخاصة من أجل استعادة تنظيم صفوفه قبل الانتخابات في 2019؛ فقد كان التخلي عن زوما خطوة حاسمة وسريعة من أجل حسم الموقف السياسي قبيل الدخول في مناورات سياسية، قد لا يستطيع الحزب الفكاك منها. من الصعب التنبؤ بما سيؤول إليه مصير زوما خلال محاكمته وخلال الفترة القادمة بشكل عام، لكن يمكن القول إن أزمته شكَّلت نكبة كبيرة لمسار جنوب إفريقيا كدولةٍ رئيسة للبرلمان الإفريقي، وستتضح آثار الأزمة ربما في المستقبل القريب.