استيقظ، الجندي في القوات البحرية الجزائرية، صباح الأربعاء 11 أبريل 2018، وهو ينوي التوجه إلى المستشفى المركزي للجيش في عين النعجة بالعاصمة، من أجل إجراء فحص طبي سنوي ملزم لكل جندي ضمن القوات البحرية الجزائرية. كان يعتقد أنه سيكون يوماً اعتيادياً كما تعود في كل مرة يذهب فيها إلى هذه المستشفى، لكنه فوجئ باستحالة إتمام الفحوصات بعد استنفار كل الطاقم الطبي عقب حادثة سقوط طائرة. وأعلنت وزارة الدفاع الجزائرية سقوط طائرة عسكرية، انطلقت الساعة السابعة و50 دقيقة من مطار بوفاريك العسكري بالبليدة جنوب العاصمة، متوجهة نحو تندوف وبشار أقصى جنوب غربي البلاد. أسامة -الذي فضل عدم الكشف عن هويته- وصف لـ”عربي بوست” الأجواء، فقد انقلب هدوء المستشفى إلى حالة استنفار قصوى، جندت سيارات الإسعاف والأطقم الطبية كلها، “عرفنا حينها أن الحدث مأساوي جداً، وبقينا ننتظر فقط حصيلة القتلى”.
عندما سمع بتفاصيل الخبر من إحدى شاشات التلفاز، تذكَّر على الفور هذه النوعية من الطائرات الروسية الصنع من نوع “إليوشين”، فقد تم تحويله بها من مدرسة حربية للقوات البحرية شرق البلاد على متنها نحو قاعدة المرسى الكبير بوهران غرب البلاد، قبل سنتين. وتتسع الطائرة لنحو 300 راكب مع الحمولة، ويعود تاريخ بداية استغلالها -حسب مصادر مختصة- إلى 25 سنة، ما رجح فرضية ضعف الصيانة كسبب للسقوط.
احتراق في السماء والأرض
في الوقت نفسه، وفي تمام الساعة الثامنة صباحاً، حين كانت الطرق الرئيسية والثانوية، المتوجهة من مدينة البليدة غرباً إلى العاصمة الجزائر شرقاً، تعج بالسيارات- دقت أجراس المؤسسات التربوية لدخول التلاميذ إلى فصولهم، ومعها دقت أبواق سيارات الإسعاف والأمن في إشارة إلى وقوع كارثة. عبد الله سياحي، الأستاذ بثانوية الشيخ بوعمامة في مدينة بوفاريك، كان متوجهاً إلى مقر عمله، قبل أن يشاهد وميضاً من اللهب، تلاه سماع صوت انفجار عنيف على بُعد أمتار فقط من الطريق الذي يربط شرق الجزائر بغربها. سياحي كان أحد شهود العيان على تحطَّم طائرة نقل عسكرية جزائرية تقل نحو 200 عسكري، بُعيد إقلاعها من قاعدة بوفاريك قرب العاصمة، وفق ما أعلنته وسائل إعلام جزائرية، في حين أكد مصدرٌ عسكري عددَ من كانوا على متنها. وقال في حديث لـصحافة، إن الطريق الذي يربط بوفاريك بالطريق السيّار شرق غرب، أُغلق بسرعة البرق من قِبل أصحاب المركبات، التي هرول أصحابها لمعرفة ما يحصل. بالسير مدة 5 دقائق على الأقدام، بلغ مكان سقوط الطائرة، وسط مَزارع للمواطنين، بمنطقة تسمى “الرتل”، وهو مكان لا يبعد عن مطار بوفاريك العسكري سوى بنحو كيلومترين.
كانت سيارات الإطفاء والإسعاف التابعة لمصالح الحماية المدنية تطوِّق المكان، في محاولة للتحكم بالوضع، وإطفاء ألسنة اللهب المشتعلة. ويشير عبد الله الى أن المكان الذي سقطت فيه الطائرة عبارة عن مزرعة مخصصة لإنتاج البرتقال والليمون وبعض الكروم، وقد تحولت مساحة كبيرة منها الى رماد؛ بسبب ألسنة اللهب المشتعلة.
عائلات بأكملها قضت في الحادث
شهود عيان أكدوا تراكم العديد من الجثث المتفحمة، وذكر أحد شهود العيان أن المنطقة كانت تتناثر بها الجثث. وكشفت وزارة الدفاع الجزائرية، في بيان لها، أن الحصيلة الأولى بلغت 257 ضحية، من بينهم 10 من طاقم القيادة، وأكد أن أغلب “الشهداء من الأفراد العسكريين وعائلاتهم”. وتحدثت مصادر أمنية لـصحافة أن من بين الضحايا عائلات بأكملها كانت متوجهة إلى تندوف وبشار، حيث يشتغل هؤلاء العسكريون. وفور وقوع الحادثة، قطع نائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش الوطني، الفريق أحمد قايد صالح، زيارته إلى الناحية العسكرية وتنقّل إلى مكان الحادث، وأمر بفتح تحقيق لمعرفة الأسباب. وحسب شهود عيان كانوا قرب المساحة الزراعية التي سقطت بها الطائرة، فإن “النيران اشتعلت في المحرك الأيمن للطائرة فور إقلاعها من المطار، وسُمع دوي انفجار هائل عند اصطدامها بالأرض”. وحسب الشهود، فإن المواطنين شاركوا في عملية اخماد الحريق قبل وصول مصالح الحماية المدنية.
وقال مصدر أمني، إن “الطائرة ورغم سقوطها من ارتفاع لا يتجاوز 50 متراً عن سطح الأرض وعلى أرض زراعية، فإن سبب احتراقها بالكامل يعود إلى انفجار السعة الهائلة من الوقود التي يحملها خزانها والتي تقدَّر بـ21 ألف لتر من مادة الكيروزان”. الطائرة -بحسب تقارير إعلامية محلية في الجزائر- هي عسكرية روسية الصنع من نوع “أليوشين”، وكان على متنها 200 من مختلف الرتب العسكرية، ومتوجهة إلى الجنوب الجزائري.
احتراق حارس المزرعة
عبد الحفيظ رياش من منطقة بني مراد في بوفاريك، أكد أن حارس المزرعة التي سقطت بها الطائرة، لفظ أنفاسه متأثراً بالحروق البالغة التي تعرض لها بسبب ألسنة اللهب. وحسب عبد الحفيظ، فإن الضحية شاب في الـ36 من عمره، وينحدر من منطقة مفتاح بالولاية ذاتها، ويعمل حارساً للمزرعة منذ أكثر من سنتين، تم نقله على متن سيارة إسعاف تابعة لمصالح الحماية المدنية، “قبل أن نسمع بخبر مفارقته الحياة”.
ويشير المتحدث إلى هول ما حصل، من خلال دوي الانفجار الذي سمعه رفقة عائلته من داخل صالة البيت، فضلاً عن أعمدة الدخان التي غطت سماء منطقة بني مراد وضواحيها، ولجوء السلطات العسكرية والأمنية إلى إفراغ جميع الطرقات؛ لتسهيل نقل الضحايا والجرحى.
ضحايا من البوليساريو
وكان من ضمن ضحايا الحادث، 30 صحراوياً يقطنون في مخيمات اللاجئين بولاية تندوف الجزائرية، وحسب بيان رسمي لجبهة البوليساريو -حصلت يوجد ضمن القتلى 30 من المرضى الصحراويين ومرافقيهم، من رجال ونساء وأطفال، كانوا عائدين من فترة علاج في المستشفيات الجزائرية”. وعما إذا كان من بين الضحايا أعضاء بجبهة البوليساريو، كشف مصدر دبلوماسي صحراوي -رفض الكشف عن هويته، أن هناك “احتمال وجود أفراد آخرين من غير المرضى، مثل سكرتير في السفارة الصحراوية بالجزائر وموظف في وزارة الخارجية كانا عائدَين إلى المخيمات”. ومعروف أن اللاجئين الصحراويين بمخيمات تندوف يتخذون من الطيران العسكري الجزائري وسيلة النقل الرئيسية نحو الجزائر العاصمة. وتعود آخر حادثة سقوط طائرة عسكرية جزائرية إلى 2 فبراير 2014، بولاية أم البواقي شرق البلاد وأدت إلى مقتل 100 راكب.