الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تساءل مبتسماً بسخرية عن كيفية تمكُّن 200 مشجع روسي من الاعتداء على “بضعة آلاف من الإنكليز”. لكن الكرملين كان يدرك كذلك أن هؤلاء الرجال من مثيري الشغب قد يُحرجون الأمة الروسية إذا اندلعت أعمال عنف جماعي في كأس العالم 2018، المقررة إقامتها في روسيا للمرة الأولى، حسب تقرير الصحيفة البريطانية. وحاولت الحكومة الروسية، مؤخراً، أن تنأى بنفسها عن مثيري الشغب. وبعدما اجتمع بوتين مع قادة أجهزة أمنية في بلاده، أكد علناً “الحاجة إلى التعلُم من الأحداث التي وقعت بفرنسا”. واكتسبت الشرطة الروسية صلاحيات جديدة لتصنيف حتى أبسط المخالفات -مثل إطلاق الألعاب النارية في مباريات كرة القدم- على أنها أعمالٌ إرهابية.
لقد خانتنا الحكومة!
وذكرت تقارير صحفية روسية أن أكثر من 100 شُرطي روسي وعضوٍ في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي داهموا منازل بعض مثيري الشغب في ديسمبر/كانون الأول من عام 2016. وأعقبت ذلك اعتقالاتٌ فورية، وكان من بين المعتقلين أليكسي يرونوف، قائد مجموعة الفايكنغ المناصرة لنادي لوكوموتيف موسكو الروسي لكرة القدم، والذي أمضى بالفعل عدة أشهر في سجنٍ فرنسي قبل أن يعود إلى روسيا. وصدرت أحكامٌ قضائية ضد أكثر من 200 شخصٍ من مثيري الشغب، تمنعهم من حضور مباريات كرة القدم حتى نهاية كأس العالم المقبلة. بالنسبة لمثيري الشغب الذين ظلوا سنوات يحظون بدعم السلطات الروسية سواء ضمنياً أو صراحةً، يبدو هذا الانقلاب من جانب الحكومة وكأنه خيانة؛ إذ قال ألكسندر شبريغن، الذي شارك في شجارات مثيري الشغب بدءاً من عام 1994، واستأجر طائرةً أرسل على متنها مجموعةً من مثيري الشغب البارزين إلى مدينة مارسيليا الفرنسية في عام 2016؛ للمشاركة في الأحداث التي وقعت هناك: “بعد أحداث فرنسا، توقفت الحكومة الروسية عن دعمنا”.
بدأوا كنسخة مصطنعة من النموذج الإنكليزي
وصلت إثارة الشغب إلى ملاعب كرة القدم الروسية متأخرةً نسبياً؛ إذ ظهرت في أوائل التسعينيات كنسخةٍ مصطنعة من النموذج الإنكليزي الموجود منذ عقود: مجموعات متعصبة من المشجعين تحمل شعاراتٍ قماشية وتردد هتافاتٍ عنصرية. وفي بلدٍ كان خارجاً آنذاك من الظلام السوفييتي بحثاً عن هويةٍ جديدة حازمة، بدا أن إثارة الشغب تُقدِم للشباب، من أمثال نيكيتين، جرعة قومية ثابتة ومجتمعاً ذا قوةٍ مفرطة يمنحهم مكانةً معينة وانتماء. ووفرت كذلك شيئاً أشبه بمسارٍ مهني عبر أنقاض اقتصاد ما بعد السوفييتية. ورأى بعض الساسة -لا سيما اليمينيين المتطرفين- في مثيري الشغب الروس بملاعب كرة القدم كنزاً قوياً من الناخبين المُهمَّشين، وشرعوا في التودُّد إلى هؤلاء الشبان بنقلهم مجاناً إلى المباريات التي تخوضها أنديتهم خارج ملاعبها، ودفع رواتب لبعضهم من أجل العمل حُراساً شخصيين؛ بل وحتى عرض تعيينهم بمناصب قيادية في الأحزاب السياسية برواتب مجزية.
تدريبات شاقة وشجارات سرية ويمتنعون عن الجعة
بمرور الوقت، تطورت إثارة الشغب في الملاعب الروسية من مجرد تقليد النموذج الإنكليزي إلى ثقافةٍ جديدة من إثارة الشغب. ففي كتاب Among the Thugs أو “بين مثيري الشغب”، الصادر في عام 1990، والذي يُعرِّف إثارة الشغب في ملاعب كرة القدم الإنكليزية- يصف كاتبه بيل بيوفرد مثيري الشغب في ملاعب كرة القدم بأنهم “بدناء للغاية ويأكلون كمياتٍ لا تُحصى من رقائق البطاطس بنكهة لحم الخنزير المقدد”. وعكس ذلك، يمتنع نظراؤهم الروس عن تناول الجعة ويخوضون تدريباتٍ شاقة، ليس فقط بصالات الألعاب الرياضية؛ بل في شجاراتٍ سرية تُنظم بغاباتٍ محلية، حيث يتقاتل بعض مثيري الشغب الشباب المنتمين إلى فرقٍ متنافسة في ضباب الفجر.