لم يكن الوزير مصطفى الخلفي هو الوحيد الذي أغضب الشعب المغربي، إلا أن تصريحات الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، الحسن الداودي، المُعربة عن تخوف الحكومة من إغلاق شركة “سنطرال دانون” وتشريد آلاف العمال والفلاحين الذين يتعاملون معها، جعلت حزب العدالة والتنمية القائد للائتلاف الحكومي في مرمى انتقادات وسخط المغاربة.
وحذّر الداودي من عواقب إغلاق الشركة الفرنسية بسبب مقاطعة منتجاتها، مؤكداً أن الحكومة تسعى لاستمرار عمل الشركة بالمغرب، قائلاً: “أصحاب الشركة أجانب، ومن السهل عليهم أن يغادروا البلاد وهذا ما لا نريده”، ما دفع نشطاء لمشاركة مقاطع توثق مداخلة قديمة للداودي في 2009 حين كان نائباً برلمانياً معارضاً وبين موقفه الحديث.
الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، وصف ما يُعانيه حزب العدالة والتنمية بـ”الانفصام على مستوى الخط السياسي”، موضحاً أن بيان المجلس الحكومي الأخير الذي قدم معطيات وأرقاماً وحججاً تدافع عن الشركات أثرت بشكل سلبي على شعبية وزراء حزب العدالة والتنمية الذي يمزج بين خطاب سياسي رسمي يبرر جزء من سلبيات التدبير الحكومي، وبين خطاب سياسي شبه معارض يقوده بعض قواعد الحزب متماهٍ مع حملة المقاطعة والوفي لخطاب الحزب حينما كان في المعارضة.
حكومة العثماني.. غياب الانسجام
صمت وزراء العدالة والتنمية وتأخر تفاعلهم مع الحملة خلال الأسابيع الأولى لها، مرتبط بتقديم إشارات سياسية لحزب التجمع الوطني للأحرار، لكون أمينه العام عزيز أخنوش معني بشكل مباشر بالحملة. “ما يعني أن قيادة الحزب فضلت ضمان الاستقرار الحكومي على حساب التجاوب مع المطالب المجتمعية، غير أن استمرار المقاطعة خلق توتراً داخل قواعد الحزب وأعاد النقاش حول إشكالية انسجام قيادته مع قواعده وخاصة شبيبة الحزب التي انخرط جزء من أعضائها في حملة المقاطعة”.
مجموعة من التناقضات إذن أظهرتها حملة المقاطعة، بحَسْب محلل سياسي رأى أن أبرزها غياب الانسجام الحكومي وانعدام الثقة بين مكونات الحكومة وخاصة بين حزبي “العدالة والتنمية” و”التجمع الوطني للأحرار”، إذ كان من المفترض أن تتجاوب الحكومة وتتفاعل مع هذا الإشكال وفق مبدأ التضامن الحكومي في المادة 93 من دستور 2011 الذي ينص في فقرته الأولى على أن “الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي”.
المقاطعة.. مع أو ضد
بعد اعتذار مدير شركة “سنطرال دانون” عن وصفه المغاربة المقاطعين بخونة الوطن، ونفيه أي زيادة في ثمن علبة الحليب، خرجت من جهتها شركة “أولماس للمياه المعدنية” المالكة للعلامة التجارية “سيدي علي” عن صمت استمر ثلاثة أسابيع لتؤكد أن هامش ربحها بسيط للغاية ولا يتعدى 7 بالمئة من ثمن عبوة لتر ونصف، مشترطة على الدولة تخفيض الضريبة على القيمة المضافة لخفض أسعار عبواتها.
وفي وقت يستمر فيه أغلب المغاربة في مقاطعة منتجات الشركات الثلاث، يُشكك آخرون في أهداف هذه الحملة خاصة وأن الجهة الداعية لها تبقى مجهولة حتى الآن، وهو ما تساءلت على إثرها، أستاذة التعليم الثانوي بمدينة سلا عن المغزى من مقاطعة “سنطرال” واقتناء ماركات أخرى تباع بنفس الثمن.
وتابعت حديثها “أعتقد أن المقاطعة تستهدف التجمع الوطني للأحرار، هذه الحملة ذات أبعاد سياسية وبعيدة كل البعد عن المصالح الاجتماعية، ولن تضر سوى اليد العاملة”، فيما رد عليها النائب البرلماني محسن مفيدي، قائلاً “إن المقاطعة صرخة ضد الظلم و”الحُكرة” (الاحتقار) وجشع بعض النافذين”