أداء قوي بصورة مدهشة لـ”ائتلاف سائرون”، الذي يقوده مقتدى الصدر، أظهرته النتائج الجزئية التي أُعلِنت الأحد 13 ماي 2018، من جانب اللجنة الانتخابية في العراق.
ومقتدى الصدر، وهو قائد سابق لميليشيا شيعية، لكنه صار في السنوات الأخيرة معارضاً شعبوياً للمؤسسة الحاكمة يحشد الحملات ضد الفساد. وعقد الصدر تحالفاً مثيراً للجدل مع العلمانيين في العراق، على رأسهم الشيوعيون.
وأولى فوائد هذا التحالف للصدر، ترسيخ صورته كـ”زعيم” عراقي إصلاحي متسامح ومتجاوز لحدود الطائفية، خصوصاً أنّ هذا العنوان الأخير يجد رواجاً كبيراً في صفوف العراقيين المكتوين بنيران الصراع الطائفي وبما خلّفه ذلك الصراع من نتائج كارثية. ومهّدت المواقف المعلنة للطرفين من ظاهرة الفساد المالي والإداري وتردي واقع الخدمات، لإذابة الجليد بين التيار الصدري الذي يمتلك قاعدة شعبية واسعة في المدن العراقية، والأحزاب العلمانية التي لم تحظ سوى بتمثيل ضئيل في البرلمان المنقضي. ويقول جاسم الحلفي، القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، لوكالة الأناضول التركية، إن “تحالفنا مع التيار الصدري ليس أيديولوجيّاً، وإنما تحالف مصالح عامة تخص العراقيين”.
ومن هذه المصالح، يقول الحلفي: “تخليص النظام السياسي من الفساد والمحاصصة، ومحاسبة الفاسدين، وإرجاع الأموال العامة التي سُرقت”. وتاريخياً، علاقة الصدر متقلبة مع إيران، ولكنّ آخر فصولها شهد توتراً جراء مواقفه المستقلة والمعارضة لسياستها أحياناً، مثل دعوته حليفها بشار الأسد للتنحي، وزيارته السعودية والإمارات خَصمَيهما اللدودين بالمنطقة. بل ووصل الأمر إلى دعوته لطهران للابتعاد عن السياسات التي تؤثر سلبياً على دول المنطقة، معتبراً أن هذه السياسات جرّت عليها وعلى المنطقة الويل والثبور.
وأفادت تقارير إعلامية بأن أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر هتفوا، الأحد 13 ماي 2018، في ساحة التحرير وسط بغداد، ابتهاجاً بالفوز الذي حققته قائمة “سائرون” التابعة للتيار، مردِّدين هتافات نالت من إيران ونوري المالكي. ومع فرز 95 في المائة من الأصوات بالعاصمة بغداد، حصل “سائرون” على أكثر من ضعف الأصوات التي حصل عليها أقرب منافسيه، وهو ائتلاف “الفتح” الذي يقوده هادي العامري، وهو قائد سابق لميليشيا شيعية أيضاً كان مسؤولاً عن القوة الرئيسية التي تفرَّعَت منها الوحدات شبه العسكرية التي تأسَّسَت عام 2014 للمساعدة في هزيمة تنظيم داعش.
وتحظى العاصمة بأكبر عدد من مقاعد البرلمان العراقي، الذي يتكوَّن من 329 عضواً. وكان “ائتلاف سائرون” و”ائتلاف الفتح” أيضاً هما أكبر الفائزين في المحافظات العشر العراقية التي أصدرت اللجنة الانتخابية نتائج عنها؛ إذ تبادلا في هذه المحافظات المرتبتين الأولى والثانية.
ولمَّا كان من غير المُتوقَّع ظهور نتائج رسمية قبل الإثنين 14 ماي 2018، فإن الشكل النهائي للبرلمان القادم ليس واضحاً.
لماذا تراجع الإقبال على التصويت؟
فتور المصوِّتين كان جلياً في هذا المشهد؛ إذ إن الإقبال الضعيف الذي وصلت نسبته إلى 44.5 في المائة -وهو الأضعف منذ أول انتخابات ديمقراطية عُقِدَت في البلاد عام 2005- يعكس تحدِّياً مقلقاً: يتمثل في أزمة ثقة بالنظام السياسي وكذلك مؤسسات الأحزاب في العراق.
كان غسان الرسول، وهو دكتور صيدلي من بغداد، واحداً من ملايين العراقيين الذين لم يُصوِّتوا. وعلى الرغم من قوله إنه يحترم التضحية والكفاح الذي تطلَّبه تحقيق ما يُعتَبَر واحداً من أكثر الأنظمة ديمقراطيةً في الوطن العربي، قال غسان إنه كان محبَطاً من أن أعضاء النخبة السياسية العراقية فشلوا في تناول القضايا الأساسية؛ مثل الفساد، والبنية التحتية المتداعية، والبطالة. وقال غسان لصحيفة The New York Times: “لقد صوَّتُّ مرتين من قبل، وتغلَّبت على العديد من التحديات الأمنية لأحظى بالفرصة وأشارك في هذه الانتخابات. وإنها آمنة هذه المرة. لكني لم أُصوِّت. استنتجت أنهم جميعاً فيها من أجل أنفسهم. لا تزال الوجوه نفسها بالسلطة، ولكن ليست لدينا أي تنمية”. كان الفساد قضية رئيسية للمُصوِّتين؛ إذ عبَّر العديد من العراقيين عن رغبتهم في التخلُّص من الرموز الراسخة وإدخال دماء جديدة. وفي بغداد، حيث كانت الحالةُ الأمنية وفرصُ العمل الأفضلَ على مستوى البلاد، أظهرت الأرقام غير الرسمية لنسب إقبال الناخبين مستوى أقل من المتوسط الوطني، لتشير إلى أن 35 في المائة فقط من المُصوِّتين المُسجَّلين أدلوا بأصواتهم في انتخابات السبت 12 ماي 2018.
يكترثون لبلادهم ولكنهم منهَكون ولا يثقون بأحد
رغم أن زوجته تجادلت معه كي يذهب إلى التصويت معها، فإن سيد حسين، وهو موظفٌ حكومي، رفض الذهاب، ويقول إنه قرَّرَ مقاطعة الانتخابات؛ لشعوره بالإحباط مما اعتبرها سياسةً معتادةً وقصوراً في الأفكار الكبيرة لتطوير الحياة. وأضاف أنه قال لزوجته: “لم أستطع أن أرى وجهاً واحداً أثق به أو أصدِّقه. ما الذي فعله أيٌّ منهم من أجلنا؟!”.
وقالت حولا حبيب، الأستاذة بالجامعة المستنصرية في بغداد، والتي أدلت بصوتها لصالح العبادي، إن فتور المُصوِّتين يمكن تفسير جانب كبير منه عن طريق الكم الهائل من الإنهاك؛ لكون المرء عراقياً وما يحمله ذلك: النجاة في المعارك ضد تنظيم داعش، وأعوام العنف الطائفي، والكفاح اليومي لتوفير حياة أفضل للأطفال. وأضافت: “جميع العراقيين يكترثون لبلادهم. المسألة فقط أن العديد منهم مُرهَقٌ جداً للتفكير أكثر من ذلك”.