ميركل وماكرون أكدا على أهمية الاستقرار الاقتصادي في تركيا
فرانكفروت ـ «جسر بريس»: يجمع خبراء اقتصاديون حول العالم على أن الحل الأمثل في الأزمات الاقتصادية التي تمر بها الدول على غرار ما يحدث في تركيا حالياً هو اللجوء إلى الحصول على مساعدة مباشرة من البنك الدولي أو رفع أسعار الفائدة بشكل كبير.
لكن الخيار الأول يبدو مستحيلاً بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي لا يفوت أي خطاب جماهيري منذ سنوات للتفاخر بتمكنه من سداد ديون تركيا للبنك الدولي خلال فترة قصيرة عقب وصوله إلى الحكم عام 2003، وهو سبب كاف حسب جميع الأوساط السياسية والاقتصادية في تركيا للجزم بأن اردوغان لن يلجأ أبداً للاستدانة من البنك الدولي مهما تراجعت الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
ومع الاعتقاد الحاسم بان اردوغان لن يقبل باللجوء إلى البنك الدولي، يتوقع أن يركز اردوغان على اتخاذ خطوات وقائية أخرى ومحاولة زيادة الإنتاج والتصدير وتعزيز السياحة للسيطرة على الأزمة الاقتصادية، وفي حال تفاقمت الأمور ربما يضطر الرئيس التركي إلى القبول برفع أسعار الفائدة مجدداً على الرغم من أنه يجدد على الدوام أيضاً معارضته لرفع أسعار الفائدة.
كما أن اردوغان يؤمن بان العودة إلى ديون البنك الدولي تعني العودة مجدداً إلى دائرة الابتزاز الغربية لتركيا ومحاولة التدخل في قرارها السياسي، حيث يعتبر اردوغان أن خطواته على مدى السنوات الـ16 من حكم العدالة والتنمية أدت إلى تعزيز استقلال تركيا وقوتها على الصعيد الدولي، ويرى فيما يحصل «حرباً اقتصادية» على بلاده تحتاج «تكاثف وطني للحفاظ على استقلالية البلاد».
وزير الخزانة والمالية التركي برات البيرق أكد، أمس الخميس، على أن بلاده لن تلجأ إلى قبول المساعدة من البنك الدولي رغم الأزمة الكبيرة التي تعرض لها الاقتصاد التركي في الأيام الماضية بفعل الأزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال في اجتماع عبر الفيديوكونفرنس مع قرابة 3 آلاف مستثمر حول العالم: «ليس هناك أي لقاء لنا مع صندوق النقد الدولي. سنوفر تمويلنا من العملات الأجنبية بعد الآن من الأسواق الدولية»، مشيراً إلى أن بلاده ستلجأ إلى طرق أخرى لمعالجة الأزمة ومنها تقليص الإنفاق وجذب الاستثمار المباشر، وشدد على أن بلاده سوف تخرج أقوى من هذه الأزمة «لأنها تمتلك قطاعاً مصرفياً سليماً وقوياً».
وفي خطوة لافتةً، سارعت الدول الأوروبية الكبرى إلى تأكيد وقوفها إلى جانب تركيا، حيث سارع كلاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى مهاتفة اردوغان والتأكيد على حرصهم على استقرار تركيا الاقتصادي.
والخميس، أكد ماكرون في اتصال هاتفي مع اردوغان، على أهمية الاستقرار الاقتصادي لتركيا بالنسبة لبلاده، حيث شدد الزعيمان على أهمية تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارات المتبادلة بين بلديهما، كما قررا عقد لقاء بين وزيري الخزانة والمالية للبلدين، بأقرب وقت ممكن.
وبالتزامن مع ذلك، جرى اتصال هاتفي بين وزير المالية التركي ونظيره الألماني أولاف شولتس، اتفقا خلاله على اتخاذ خطوات، وإطلاق مبادرات لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وشدد الوزير الألماني على أن الاقتصاد التركي القوي يشكّل أهمية كبيرة بالنسبة لألمانيا والاتحاد الأوروبي، في الوقت نفسه، فيما اعتبر الوزير التركي أن الدعم المقدم إلى تركيا في هذه الفترة، بعث الأمل لإطلاق مرحلة من شأنها أن تولّد مجددا نتائج إيجابية، عبر موقف بنّاء متبادل في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
هذه الخطوة جاءت عقب يوم واحد من الاتصال الهاتفي الذي جرى بين اردوغان وميركل وأكدت فيه الأخيرة أن قوة الاقتصاد التركي مهمة بالنسبة لبلادها. واسفرت هذه الاتصالات عن اتفاق لعقد لقاء بين وزيري مالية البلدين قبيل زيارة مقررة لاردوغان إلى برلين قبيل نهاية الشهر المقبل.
وبينما شدد الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين على أن «تركيا لا تسعى وراء حرب اقتصادية مع أحد ولا إلى توتير العلاقات مع أي دولة»، أكد على أن «تركيا ليست بدون بدائل سواء في الطاقة أو التجارة أو الاستثمار أو المجالات الأخرى وستمضي في طريقها مع زيادة خياراتها وبدائلها»، لافتاً إلى أنه «بعد لقاءات مكثفة بدأنا بالحصول على نتائج وأخبار إيجابية (على الصعيد الاقتصادي) من الكويت وألمانيا وفرنسا وروسيا».
وفيما تحاول تركيا إحياء وتعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي في إطار استراتيجيتها الجديدة لـ«البحث عن حلفاء جدد»، عقب الأزمة المتصاعدة مع واشنطن، يُجمع مراقبون على أن الاتحاد الأوروبي لا يرى من مصلحته أبداً أن تشهد تركيا أزمة اقتصادية تنعكس على الاتحاد في كافة المجلات.
ويخشى الاتحاد الأوروبي بقوة من أن تؤدي أزمة اقتصادية في تركيا إلى هز الاستقرار السياسي فيها الأمر الذي يمكن ان يتصاعد على شكل انعدام للاستقرار الأمني يقود تركيا لأن تصبح دولة فاشلة تعاني من تراجع الاستقرار السياسي والأمني، في سيناريو يراه مراقبون «مرعباً» لأوروبا التي تعتبر تركيا حائط الصد الأول عنها أمام مناطق النزاع في العالم العربي لا سيما في سوريا والعراق.
ورغم اتهام الغرب بشكل عام بمحاولة افشال «نهضة تركيا»، إلا أن الاتحاد الأوروبي يقف بقوة ضد أن تتحول تركيا إلى دولة ضعيفة أو فاشلة على الصعيد الداخلي ما يعني فقدان الاستقرار الأمني وخطر انتقال الإرهاب من مناطق النزاع بسوريا والعراق إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، إلى جانب انفجار أزمات غير مسبوقة تاريخية كأزمة لاجئين نحو الاتحاد الأوروبي ربما تشمل عشرات الملايين وليس ملايين فقط كما حصل في الازمة السورية.
كما أن تصاعد الازمة الاقتصادية بين أنقرة وواشنطن انعكس سلباً على الأسواق الأوروبية التي سجلت أسهمها طوال الأيام الماضية هبوطاً حاداً بفعل الأزمة التي لم تظهر أي بوادر لحلها بعد.