انا مجرد كاتب
كل متتبع لوضعية الصحافة في المغرب يعي جيدا أن علاقة الصحفي او المراسل بمجتمعه لم تعد على ما يرام، فكثيرا ما يقال عنه إنه قليل الخبرة والكفاءة، عديم الإحساس مجرد من الإنسانية، وأحيانا نصفه باللص المحتال الذي لا يهمه إلا الربح وجني المال. ذهب زمن مصطفى العلوي حين كان الصحفي يُعد حكيما بين الحكماء ويُنظر إليه كواحد من النبلاء. وفي الوقت نفسه لازال مجتمعنا يعتبر الصحافة مهنة نبيلة، إلى درجة أنه أحيانا ينسى بأنها مهنة لكسب الرزق ويخالها عملا اجتماعيا يزيد في الحسنات ويٌدخل الرَّحمة على الوالدين، وبالتالي فهو يتطلب التضحية بالغالي والنفيس والرّضى بما قسم الله !!
هذه العلاقة المتوترة أصبحت جلية في السنوات الأخيرة، وهي راجعة لسوء فهم كبير من الجانبين. فأن تكون صحفيا في المغرب ليس بالأمر الهين، لأن في الموضوع من التحديات والصعوبات والمواقف والطرائف ما يفسر إلى حد كبير السبب وراء سوء الفهم الحاصل ..
عندما نلج معهد الصحافة والاعلام نعتقد أننا دخلنا معهد النخبة، لأنها تضم فقط المتفوقين في الدراسة والحاصلين على أعلى المراتب في امتحانات الباكالوريا؛ بالإضافة إلى ذلك نجد معظم الآباء يتباهون أمام عائلاتهم وأصدقائهم بأن أبناءهم دخلوا معهد الصحافة والاعلام وسيكونون صحفيون في المستقبل. كل هذا يجعل من طالب الصحافة يعتقد، ومنذ السنة الأولى، أنه أصبح من علية القوم. وسنة بعد أخرى تكبر الأحلام ويبدأ كل واحد منا برسم تصوره لمستقبله المشرق الذي ينتظره.. وتأتي سنة الحسم ويرتدي فيها صحفي المستقبل بذلة الشرف والافتخار، ويؤدي قسم الصحفي أمام أساتذته وعائلته وكل الأخيار، وتدمع عيون الآباء وتعم الفرحة والسعادة في الأرجاء .. انطلق فأنت اليوم صحفي !!
تنتهي أجواء الاحتفال ويستفيق صحفينا الجديد من أحلام المساء، ويجد نفسه غير قادر على فتح مؤسسة للاعلام، وذلك لأسباب عديدة؛ فهو لا يملك الإمكانيات الكافية لشراء شقة أو كرائها وتجهيزها بالوسائل الضرورية.
ورغم كل ما قيل، لا بد من الاعتراف بأن هناك صحفيين استحقوا كل شيء إلا لقب الصحفي، وأساؤوا إلى هذه المهنة النبيلة، وشوهوا صورتها العظيمة. وهذا طبعا ليس حكرا على مهنة الصحافة والاعلام، فهو موجود في كل المهن حين يغيب الضمير وتختل الموازين، وتنعدم الرقابة وتجمد القوانين.
ما نحتاجه اليوم هو الشعور بأننا كلنا مواطنون، نسعى إلى خير البلاد، صحفيين ومعلمين وكافة العباد، فمصلحتنا واحدة وهدفنا واحد، وإن اختلفت مهننا وأفكارنا وانتماءاتنا. نحن إذن بحاجة إلى إيجاد نظرة جماعية للأمور والبحث عن الحلول بالتشاور ومراعاة كافة المصالح، فنحن أبناء وطن واحد ولسنا في معركة يسعى كل واحد فيها إلى أن يكون هو الرابح.
هذا جزء يسير من واقع الصحفي في بلدنا الحبيب…هل فهمتم الآن لماذا قلت في البداية : “أنا مجرد كاتب”؟!
