على غرار ما فعل في أنقرة وإسطنبول، دفع أردوغان بمرشحاً قوياً في إزمير لتعزيز فرص الحزب في الانتخابات البلدية/المحلية المقررة نهاية الشهر الجاري التي تحمل أهمية استثنائية، حيث يخوض نهاد زيكبجي 58 عاماً أحد أبرز وجوه حزب العدالة والتنمية ووزير الاقتصاد السابق انتخابات رئاسة بلدية إزمير مرشحاً توافقياً لـ”تحالف الجمهور” الذي يضم العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية، أمام مرشح حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية “تونتش سوير” المتوقع أن يتلقى دعماً من أحزاب “تحالف الأمة” المعارض وعلى رأسها حزبي الجيد والشعوب الديمقراطي الكردي.
وإزمير ثالث أكبر المحافظات التركية من حيث عدد السكان تعتبر تاريخياً قلعة حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة والعلمانية الكمالية، ويسيطر على رئاسة بلدياتها منذ عقود حزب الشعب الجمهوري، ولم ينجح أردوغان الذي تمكن من الفوز في إسطنبول وأنقرة وحتى أنطاليا بتحقيق اختراق تاريخي بالسيطرة على إزمير.
لكن وطوال 17 عاماً من سيطرة حزب العدالة والتنمية على الحكم في البلاد تمكن أردوغان من رفع نسبة مؤيديه في المحافظة العصية التي تسكنها أغلبية ساحقة من العلمانيين الأتراك، وطوال الانتخابات السابقة تمكن أردوغان تدريجياً من تحقيق نسبة أصوات أفضل من السابقة.
وفي آخر انتخابات محلية جرت عام 2014 فاز حزب الشعب الجمهوري برئاسة بلدية ازمير بعدما حصل على 49٪ من أصوات الناخبين، فيما حصل مرشح حزب العدالة والتنمية على 35٪ من أصوات الناخبين، ومرشح حزب الحركة القومية على 8٪ من الأصوات، وبجمع أصوات حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية يبقى حزب الشعب الجمهوري متفوقاً بفارق 6٪.
لكن تبقى هناك متغيرات أخرى تتعلق بالتغيرات التي شهدتها التركيبة السياسية التركية بشكل عام خلال السنوات الأخيرة وأبرزها التحالفات الحزبية وظهور الحزب الجيد الذي يمكن أن يقلص أصوات الحركة القومية ويدعم تحالف المعارضة، وتغيرات أخرى مرتبطة بفرضية توجه سكان إزمير إلى تغيير البلدية أملاً في خدمات أفضل في السنوات المقبلة، وتغيرات متعلقة بالحسابات المعقدة للانتخابات المحلية لا سيما الاختلاف في حساب أصوات رئيس البلدية عن نسبة الأحزاب في مجلس البلدية.
ومنذ وصول أردوغان وحزب العدالة والتنمية المحافظ إلى الحكم، تتهم المعارضة لا سيما العلمانية منها ممثلة بحزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك، تتهم أردوغان بالعمل على إلغاء إرث مؤسس الجمهورية تدريجياً والعمل على محاربة أسس العلمانية التي أسسها الأخير، وهز مكانته التاريخية في الشارع التركي، وهو ما يدفع أنصار الحزب للتصويت لمرشح الحزب في إزمير على اعتبار أنه رمز لأتاتورك رغم شكاويهم المتكررة من ضعف أداء بلدية المحافظة، وحاول أردوغان مراراً حث سكان إزمير على التصويت لصالح الخدمات بعيداً عن التوجهات الأيديولوجية.
وفي خطابات سابقة بإزمير شدد أردوغان على أن حزب العدالة والتنمية “حزب علماني” ويحترم أسس العلمانية التي أرساها مصطفى كمال أتاتورك.
والأحد، عقد مهرجان انتخابي وصفته وسائل الإعلام التركية بـ”التاريخي” في إزمير، جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشيلي وشارك فيه عشرات آلاف من سكان إزمير، فيما قالت وسائل إعلام الحزب الحاكم إن الأعداد بلغت “مئات الآلاف”.
وخلال كلمته، أعلن بهتشيلي تقديم الدعم الكامل والمطلق لـ”تحالف الجمهور” في الانتخابات المقبلة، مشيراً إلى أن كافة مقدرات الحزب وأتباعه سيقدمون كل الدعم الممكن للفوز في الانتخابات التي تبقى على موعدها أقل من اسبوعين.
في المقابل، ركز أردوغان في خطابه على تقديم رسائل طمأنة إلى سكان إزمير بأن حزبه وعلى الرغم من وجوده في الحكم منذ 17 عاماً إلا أنه لم يتدخل على الإطلاق في طريقة حياة المواطنين أو لبسهم أو لبسهم أو أفكارهم، وقال: “أنظروا أمامكم ها هم مناصري الحزب بعضهم بغطاء رأس وبعضهم بدون، لا نتدخل بطريقة حياة أحد”.
واتهم أردوغان حزب الشعب الجمهوري “باستغلال اسم مؤسس الجمهورية مصطفى كمال اتاتورك على مر العقود الماضية”، واعداً بالتغيير في إزمير وتقديم خدمات أفضل وتطوير المدينة ودعم اقتصادها على غرار ما فعل في إسطنبول، مشيراً إلى أن “فتح القلاع يبدأ من الداخل”.
وطوال الأسابيع الماضية، تركز وسائل الإعلام التابعة للحزب الحاكم على ما تقول إنها مشاكل هائلة تعاني منها بلدية إزمير منذ عقود بسبب ضعف أداء حزب الشعب الجمهوري وتعرض ما تقول إنها مشاهد أكوام القمامة وتجمع المياه وتقدم وعوداً بحل كافة المشاكل التي تعاني منها المحافظة.
في المقابل، يقول حزب الشعب الجمهوري إن حكومات حزب العدالة والتنمية المتعاقبة تعمدت على مدى السنوات الماضية عدم تقديم الدعم أو القيام بمشاريع كبرى في محافظة إزمير وذلك لأن بلديتها خارج إدارة الحزب وحتى تبقى تربط مشاريع تنمية إزمير بفوز مرشح الحزب العدالة والتنمية.
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تجمع على وجود تراجع عام ولو محدود في شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم، إلا ان تحالف أردوغان مع الحركة القومية من المفترض أن يساعد في تقليل الآثار السلبية لا سيما في المحافظات الكبرى حيث تشير الاستطلاعات التوقعات إلى نتائج مريحة للحزب في البلاد بشكل عام إلى جانب إسطنبول كبرى المحافظات التركية، وسط خشية من خسارة بلدية العاصمة أنقرة.
وفي ظل هذه التغيرات، لا يتوقع حصول تحول تاريخي في الانتخابات المقبلة بإزمير، مع احتمال كبير بأن يتمكن مرشح تحالف الجمهور من الحصول على نسبة أصوات ربما تعتبر تاريخية للحزب الحاكم لكن دون أن تكون كافية للفوز على مرشح الشعب الجمهوري في قلعته التاريخية إزمير.