فاطمة البودالي، كاتبة وموثقة
إن إصلاح منظومة التربية و التعليم أصبح أولية الأولويات لبناء الإنسان المغربي و بالتالي مجتمع مغربي حديث وراقي، يساير ركب التقدم الاقتصادي و التكنولوجي العالمي ، ففي قلب هذا الوعي الجماعي بأن إصلاح التربية و التعليم هو أساس كل تقدم و رقي، فتح النقاش حول كيفية الاصلاح الذي تم التركيز فيه بشكل كبير على لغة التدريس رغم أن الإصلاح لا يقتصر على لغة التدريس فقط بقدر ما يتطلب إصلاح منظومة بأكملها من أطر و مناهج تربوية و تعليمية و إغنائها بكل ألوان الفن، إلى جانب اللغة التي يجب ان يتم بها التلقين و التدريس بها ، نقاش فتح منذ سنين طويلة واستمر طويلا و طعمت به الأحزاب السياسية حملاتها الانتخابية دون وجود إرادة سياسية حقيقية و شجاعة أدبية للخروج بقرار نهائي لكي ينزل على سكة التطبيق، في خضم هذا النقاش برزت ثلاث اتجاهات حول اللغة التي يجب ان تدرس بها الأجيال القادمة :
فهناك من ذهب في اتجاه العودة إلى التدريس باللغة الفرنسية في المواد العلمية مع الاحتفاظ باللغة العربية في باقي المواد الأدبية، و اتجاه تشبث باللغة العربية كأساس للتعليم و التلقين في كل المواد و اتجاه آخر اتجه نحول اللغة الاولى في العالم و هي اللغة الانجليزية،
إذا ما حاولنا أخذ كل هذه الاتجاهات الثلاث كل واحد على حذا فاللغة الفرنسية تم التدريس بها أيام الاستعمار الفرنسي بالمغرب و الذي أستمر إلى ما بعد الاستقلال لبضع سنوات قبل أن يتم تعريب المناهج التعليمية و الذي فتح لنا الباب على أدب عصر الأنوار و بالتالي فتح لنا الأبواب إلى مدارس و جامعات فرنسا و التي استفادت منها فقط النخبة و القليلين من أبناء الشعب المغربي المحظوظ حيث لزمتنا عقدة خريجي مدارس و جامعات فرنسا أكفأ ممن تعلموا في الجامعات المغربية، و سقطنا في ميز تعليمي إن أمكننا ان نسميه كذلك، تراكمت لدينا البطالة التى يعاني منها خريجي المعاهد و الجامعات المغربية حيث ارتبطت الكفاءة بلغة التعليم، فبعد تعريب التعليم لم يتم معها تعريب الإدارة المغربية ، تراجعت فيه المدرسة العمومية و برزت لنا مدارس خصوصية تتبنى التدريس باللغة الفرنسية التي لم يتمكن من ولوجها إلا أبناء العائلات الميسورة في بادئ الأمر إلى أن أصبح التعليم هاجس كل الأسر المغربية و أصبحت تنفق كل أموالها على التعليم الخصوصي لأبنائها، فأصبح لديها هو الاستثمار الوحيد الذي تقوم به و تحاول إقناع نفسها ان الأموال الباهظة التي تنفق على أبنائها استثمار للمستقبل، غير أن خريجي هذه المدارس لم تكون سوى مهندسين تقنيين حاملي شهادات لا توازي الشواهد الجامعية، لم يسلموا أيضا من البطالة، تكوينات قطعت مع علوم أخرى كالفلسفة، و الأدب، بالإضافة إلى أن اختصاصات أخرى لا يمكن أن تتناولها المدارس الخاصة كالطب و الصيدلة و الفيزياء والبيولوجيا، هكذا برز لنا تعليم مزدوج أعرج، فما نعيشه اليوم من تخبط هو نتيجة كل ما سلف، فالتوجه الثاني الذي يدعو إلى اتخاد اللغة العربية كأساس للتدريس لأنها لغة رسمية ينص عليه الدستور إلى جانب الأمازيغية يدفعنا إلى إعادة تجربة أثبتت فشلها الذريع، نعم اللغة العربية لغتنا الرسمية ترتبط بهويتنا العربية و الإسلامية مثلها مثل الأمازيغية كذلك، و لكن يبقى السؤال كيف يمكننا أن ننفتح على العالم اليوم و غدا، عالم لغته الانجليزية، كيف يمكننا أن نواكب عالم يتحول كل يوم و تكنولوجيا تتقدم في كل ساعة ، كيف يمكننا الاطلاع على الأبحاث العلمية للدول المتقدمة و الاستفادة منها؟
من هنا ندرك أن اللغة الفرنسية ليست اللغة التي يمكن أن ننفتح بها على العالم فاللغة الفرنسية لا يتحدثها إلا الفرنسيون و باقي مستعمراتها في أفريقيا سابقا، أما باقي العالم فكله ينفتح على اللغة الانجليزية و هذا امر يعرفه الجميع ، اليوم كل الدول الأوربية تنفتح على اللغة الإنجليزية في تعليمهم و حياتهم اليومية بعد لغتهم الأم ، و المغاربة أيضا جزء من هذا العالم فمجمل الشباب ينفتحون و يفضلون اللغة الانجليزية بدلا عن الفرنسية، إن الاستمرار بالتشبث باللغة الفرنسية لن يفضي إلا إلى الاستمرار في الحالة التي نحن عليها، اللغة الانجليزية ليست بلغة صعبة و التكوين فيها رغبة أغلب المغاربة، أما ان نقوم بالعودة الى التدريس باللغة الفرنسية و بعدها الانجليزية او العودة إلى تعريب التعليم فهذا هو التخبط بعينه ……
هناك بعض الأشياء التي لا يمكن أن نتعامل معها بهوادة و لكن بالحزم و الفصل والاستئصال، و ما دمنا لا نملك القوة و الجرأة لاستئصال بقايا الاستعمار الفرنسي فهذا لن يفضي بنا إلا للتعايش مع مرض مميت بعدما أصبنا بالشلل و بقيت أعيننا عالقة بفرنسا التي هي بدورها لم تسلم من أزمات عديدة تشل حركتها إصلاح التربية و التعليم رهان يجب إنجاحه و لا نريده تجربة أخرى تحتمل فشلا آخر بدل إنجاحها أغلب المغاربة أصبحوا يفضلون الإنجليزية للانفتاح على العالم لان لا خيار لنا عنها ،و التشبث بالفرنسية هو تراجع و حنين إلى عهد ولى لن يعود …..
اذا أردنا الإصلاح فيجب من الآن فتح النقاش في التدريس باللغة الانجليزية للمواد العلمية و إمكانية ذلك، و هذا سيفتح ايضا مجالا لادماج كل الطاقات التي تلقت تكوينها في اللغة الانجليزية في بلادنا او خارجه .