الرباط : عزالدين السريفي / الافتتاحية
المبدأ والمصلحة نقيضان لا يجتمعان . ولا يخلو انتماء ديني أو دنيوي من وازع يكون إما مبدأ أو مصلحة . والمبدأ غاية نبيلة تغلب فيها التضحية والإيثار من أجل الصالح العام ، وهو ما يعني نكران الذات ، بينما المصلحة عبارة عن هدف خسيس تغلب فيه الأثرة ، الأنانية و حب النفس على حساب الغير. ومعلوم أن أصحاب المبادىء ينتمون إلى تنظيمات دينية أو دنيوية بدافع الاقتناع بأنهم ينشدون الحق والعدل والصواب ، في حين أن أصحاب المصالح ينتمون إلى هذه التنظيمات وهم يضعون نصب أعينهم مصالحهم الخاصة بدافع المنفعة التي تقاس بمقياس الربح والخسارة . وإذا كان أصحاب المبادىء يسعون سعيا بريئا خاليا من كل شائبة ، فإن أصحاب المصالح يكون سعيهم مشبوها ومثيرا للريب والشك. وغالبا ما يتسلل أصحاب المصالح بين صفوف أصحاب المبادىء من أجل التمويه على مصلحيتهم . ومعلوم أن كل التنظيمات الدينية والدنيوية تجمع بين الفئتين ، وقد يتأرجح عدد هذه الفئة أو تلك بين القلة والكثرة حسب تلك التنظيمات. ولا يصعب الكشف عن المؤشرات الكاشفة عن كل فئة داخل كل تنظيم . فالأحزاب السياسية على سبيل المثال لا الحصر فيها أصحاب مبادىء ، وهم الثابتون عليها لا يتزحزحون عنها قدر أنملة بغض الطرف عن صوابها أو عدمه عندما تقوم عند ذوي الخبرة والاختصاص والعلم والمعرفة ، وفيها أصحاب المصالح ،وهم الوصوليون والانتهازيون الذين لا يستطيعون بلوغ أهدافهم الشخصية إلا عن طريق ركوب هذه الأحزاب . وفي الغالب تكون فئة أصحاب المبادىء في الأحزاب السياسية قلة قليلة ، بينما الأكثرية تكون أصحاب مصالح تغيريهم الامتيازات التي تخدم مصالحهم الشخصية . والجماعات الدينية كالأحزاب السياسية أيضا فيها أصحاب مبادىء وأصحاب مصالح ، والمؤشرات الكاشفة عنهما تكون واضحة . فالإمام الراتب صاحب المبدأ يعنيه أن يقوم على فريضة الصلاة القيام الكامل لا تشغله عنها شواغل أخرى ، وهو مواظب لا يسجل عنه تخلف إلا لأعذار قاهرة ، ومثله المؤذن صاحب المبدأ لا يغيب صوته خمس مرات في اليوم . أما الإمام الراتب صاحب المصلحة فالمؤشر على مصلحيته انتقاؤه منذ البداية الرباط في المسجد المتوفر على امتيازات ،وعلى رأسها السكن وتوابعه ،بل يحرص على أن يكون في مسجد يسهل وصوله إلى ما يبتغيه من مصالح شخصية . ومن المؤشرات الدالة عليه أيضا أن يشتغل بمهام أخرى عوض الانصراف التام لفريضة الصلاة ، فقد يزاول مهنا أو حرفا ، وتكون هي المقدمة على وظيفته الدينية المقدسة ،لهذا يكثر غيابه بسبب انشغاله المستمر بمصالحه الشخصية . ومثله المؤذن صاحب المصلحة لا يسمع صوته بانتظام وينوب عنه غيره لانشغاله عن رفع الأذان في الوقت المعلوم . وكل منهما أي الإمام الراتب والمؤذن صاحبا المصالح الشخصية يتميزان بالحرص على حضور الولائم أكثر من حرصهما على أداء الواجب الديني . ففي كل يوم يحجان نحو وليمة سواء كانت بسبب الأفراح أم بسبب الأتراح ، ويلتقمون أصناف الأطعمة حسب المناسبات بنهم وجشع ، وهم في إعداد شاي الولائم إخوان الشياطين يبذرون تبذيرا ، وقلما ينجو أحدهم من أمراض السمنة وتشحم شرايين القلب والسكري وكل علة سببها المداومة على التهام الأطعمة الدسمة المختلفة . ويعيش الأئمة والمؤذون أصحاب المبادىء قانعين بما آتاهم الله عز وجل لا يمدون أعينهم إلى ما في أيدي الناس وزاهدين في الولائم والصلات بأنفة وعزة نفس إلا أن أصحاب المصالح يبتذلون كرامتهم ويمرغونها في التراب ، ويستجدون غيرهم بكل الطرق والوسائل ،ويصيرون مواضيع سخرية عند من يعطيهم بغرض العبث و التندر بطمعهم وجشعهم ، ولا كرامة لهم بسبب دنية الطمع الذي يصير طاعونهم القاتل. وما قيل عن أئمة المساجد والمؤذنين يقال عن الخطباء ومنهم أئمة يجمعون بين إمامة الصلوات وخطب الجمعة ومنهم من تمحضوا للخطابة فقط . ففي هؤلاء أيضا أصحاب المبادىء الذين يخطبون اقتناعا بواجب الخطابة الديني ، ومن أجل تبليغ رسالة الإسلام على الوجه الأكمل، كما أن فيهم أصحاب المصالح الذين يتسللون إلى مجال الخطابة المنبرية من أجل الامتيازات المختلفة ، وعلى رأسها ربط الصلات مع ذوي الجاه والنفوذ والسلطان والمال ، والطمع في الأسفار وعلى رأسها أسفار الحج والاعتمار ، ولهم في الخطابة أكثر مما كان لنبي الله موسى عليه السلام في عصاه من مآرب لا يعلمها إلا علام الغيوب ، وعالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . فما أكثر خطباء المصالح الذين يتحينون فرصة حلول شهر الصيام لشد الرحال إلى بلاد الغرب طمعا في قضاء الشهر الفضيل في ضيافة الجاليات المسلمة ، وطمعا في صلاتها ، وفي التجوال . وقد فضح الله عز وجل بعضهم فنشروا رحلاتهم في الخارج على طريقة ابن بطوطة مع وجود الفارق، ولم يفتهم حتى وصف الوجبات والأطعمة التي يصيبونها سحتا والعياذ بالله . ومنهم من يكد لإيجاد كل السبل إلى البلاد الأجنبية تحت ذريعة الوعظ والإرشاد دون تمييز بين حلال أو محرم . ومنهم من ربط الصلات المباشرة بدول الخارج، فرحل إليها وصار بها مقيما بعد أن كان ظاعنا ، ورحل ذريته إليها ، وهو يعتبر ذلك شطارة وذكاء، ولا يرى فيه معرة وسبة ، ولا يبالي بما صنعت ذريته في المهجرمن استقامة أو انحراف ،و هو الذي كان ينصح غيره بتلقين ذرياتهم لزوم الهوية والثقافة وأرض الوطن والاستقامة . ومعلوم أن أصحاب المصالح حيثما وجدوا يجتمعون كلهم في صفة سيئة واحدة وهي قياس غيرهم على أنفسهم من حيث حرصهم على مصالحهم الشخصية ، فلا يستسيغون من أصحاب المبادىء أي سعي مهما كان صادقا وخالصا لوجه الله تعالى . ويضمر أصحاب المصالح العداوة والحقد لأصحاب المبادىء ، وينالون منهم كل نيل ، ويحاولون السخرية والاستهزاء منهم لأنهم ينزلونهم منازلهم من حيث الحرص على المصالح الشخصية . وعلى أصحاب المبادىء أن يفوتوا كل الفرص على أصحاب المصالح من خلال النأي بأنفسهم عن كل ما يمكن أن يفسر بأنه سلوك يصب في اتجاه المصلحة الشخصية . وبناء على هذا فإنني أعلن من هذا المنبرالإعلامي زهدي في عمرة وعدت بها بمناسبة إنشاد قصيدة في مدح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وهي قصيدة ربما فهم منها خطأ أنني راغب في هذه العمرة ، والحقيقة أنني قصدت في شعري شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم لقاء الله عز وجل ،وتمنيت أن تكون بردتي بردة آخرة لا بردة دنيا كما كانت لكعب بن زهير ، والتي كانت بمثابة عفو أيضا على إساءة منه ، والعفو الذي أحلم به هو عفو الآخرة ، ولهذا لم يدر بخلدي أن أستجدي أحدا لعمرة أو حج مهما كان إلا أنه بلغني أن البعض ولن يكونوا إلا أصحاب مصالح من الذين يقيسون الناس على أنفسهم فيما يخص جشعهم وطمعهم حاول التعريض بموضوع الحصول على العمرة بالنسبة لخطيب مثلي هو أزهد ما يكون فيها ،وقد قدر له الله تعالى الاعتمار دون من أو أذى من أمثال من أراد التعريض به في موقف أستغرب أن يسمح فيه بمثل هذا التعريض وأستهجنه أيضا . وذكرت بعد أن بلغني الخبر ما سمعته في يوم من الأيام في نفس الموقف ، وكتمته ولم أبده كما كتم يوسف عليه السلام، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضيه أن يزوره من لا رجولة لهم من الذين يعتمرون على نفقة غيرهم ، وأقسمت برب البيت العتيق ألا أزور رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وأنا كامل الرجولة بمال من عرق الجبين تماما كما مدحته عاشقا طمعا في شفاعته لا طمعا في زيارة قبره على نفقة غيري مهما كان ولن تحبل أنثى بمن يمن علي حجا أو عمرة أو يعرض بي بسببهما. وأحمد الله عز وجل أنه كشف ما كان يخفيه أصحاب الظن السيء من أصحاب المصالح في أصحاب المبادىء ، والله يدافع عن الذين أخلصوا له الدين والإيمان.