اسماعيل كايا / اسطنبول
تُجمع شريحة واسعة جداً من الشعب التركي على رفض ما يصفونه بـ«العنجهية الأمريكية» في التعامل مع بلادهم ويؤيدون إجراءات الحكومة للاستقلال عن الضغوط الأمريكية، لكنهم يخشون إجراءات عقابية أمريكية رداً على صفقة الصواريخ الدفاعية الروسية أس 400 يتوقع أن تسبب متاعب اقتصادية كبيرة جداً للحكومة والمواطنين.
وتهدد الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات كبيرة على تركيا في حال إصرارها على استلام منظومة أس 400 الدفاعية الروسية، وهو ما قد يشمل إجراءات معلنة وأخرى خفية يكون هدفها توجيه ضربة كبيرة للاقتصاد التركي الذي يعاني من متاعب اقتصادية في الأشهر الأخيرة. ويجمع مواطنون أتراك قابلتهم «القدس العربي» وآخرون رصدت مواقفهم على مواقع التواصل الاجتماعي على أحقية بلادهم في الاستقلال عن الضغوط الخارجية واتخاذ القرارات المتعلقة بشراء الأسلحة والمنظومات الدفاعية بشكل مستقل وبما يتماشى مع مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية.
لكن في المقابل، لا يخفي هؤلاء خشيتهم الكبيرة من تبعات ذلك على اقتصاد بلادهم، ويعتقدون أن الإدارة الأمريكية التي تعتبر إصرار تركيا على شراء المنظومة الروسية تحدياً لها لا تكن الخير لبلادهم وتنوي توجيه ضربة قوية للاقتصاد التركي تكون آثارها كبيرة جداً على المواطنين. ويتوقع أن تشمل العقوبات الأمريكية وقف مشاركة تركيا في برنامج تصنيع وبيعها طائرات إف 35 الأحدث في العالم، بما يشمل وقف تدريب الطيارين الأتراك، ومنع نقل الطائرات التي جرى تسليمها من الأراضي الأمريكية إلى الأراضي التركية، ومنع تسليم تركيا أي طائرة من هذا الطراز من أصل قرابة 100 طائرة اشترتها تركيا، بالإضافة إلى وقف التعاون مع الشركات التركية المشاركة في تصنيع الطائرة ما يعني خسارة خذه الشركات والمصانع التي يعمل بها الآلاف من الأتراك استثمارات تصل قيمتها لأكثر من 10 مليار دولار.
ويمكن أن يتطور الأمر لفرض عقوبات على هيئات رسمية تركية وشركات وشخصيات تجارية ضمن قانون أمريكي يعاقب الدول الحليفة التي تشتري السلاح الروسي، إلى جانب الضرر الذي سيلحق بحجم التبادل التجاري بين البلدين والذي تجاوز الـ20 مليار دولار، وبدلاً من أن يتم العمل على رفعه إلى 75 مليار كما جرى الاتفاق مؤخراً، يمكن أن يتدهور هذا الرقم في حال تفجر الأزمة وبدء فرض عقوبات اقتصادية.
كل هذه العقوبات المتوقعة، من المحتم أنها ستشكل ضغطاً هائلاً على الاقتصاد التركي وبشكل خاص الليرة التركية التي فقدت قرابة 40٪ من قيمتها في الأشهر الأخيرة وباتت تتأثر بدرجة أساسية بتحسن وتدهور العلاقات مع واشنطن، ومن شأن أزمة بهذا الحجم أن تهوي بقيمة الليرة لمستوى تاريخية غير مسبوقة، حسب اقتصاديين، وهو ما ولد كل هذه الخشية عند المواطنين الذي يعانون من آثار الصعوبات الاقتصادية الأخيرة. وبفعل الصعوبات الاقتصادية الأخيرة، وتراجع قيمة العملة التركية، وصلت نسب التضخم في البلاد لمستويات غير مسبوقة قاربت الـ25٪ وسط ارتفاع كبير في أسعار الخضار والمواد الأساسية، كما ارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير، ودخل الاقتصاد مرحلة الانكماش عقب نحو عقدين من النمو المتواصل.
والثلاثاء، أوقف البنتاغون رسمياً تدريب الطيارين الأتراك على طائرات إف 35 في خطوة أولى قبل الإعلان عن طرد تركيا من برنامج صناعة الطائرة حسب الخطوات التسلسلية التي تضمنها خطاب أرسله وزير الدفاع الأمريكي باتريك شاناهان إلى نظيره التركي خلوصي أكار قبل يومين. أكار الذي اعتبر، الأربعاء، أن «رسالة نظيره الأمريكي لا تتلاءم مع روح التحالف بين أنقرة وواشنطن»، أوضح أن «يجري إعداد رسالة رسمية للرد على المكتوب الأمريكي».
وكشف عن عزمه مهاتفة «نظيره الأمريكي اليوم الخميس، قبل أن يلتقيه قبيل نهاية الشهر الجاري، وهي الفترة التي يتوقع أن توصل فيها تركيا ردها النهائي القطعي لواشنطن حول صفقة المنظومة الروسية». وحتى الآن يُصر كافة المسؤولين الأتراك ،وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان في تصريحاتهم الرسمية على أن بلادهم ماضية في استلام المنظومة الروسية الشهر المقبل رغم التهديدات الأمريكية، لكن محللون أتراك لا يستبعدون حصول تطورات في الأسابيع الأخيرة يمكن أن تغير مسار الأحداث أو تؤجل تفاقم الأزمة لعدة الأشهر عبر تأخير استلام المنظومة الروسية.