هبطت أربع طائرات إسرائيلية في تشرين الأول 1994 في مدينة الميناء المغربية كازبلانكا، التي استضافت المؤتمر الاقتصادي الشرق أوسطي والشمال الإفريقي الأول بعد اتفاقات أوسلو. جاءت الطائرات بمئات الإسرائيليين: رئيس الوزراء رابين، ووزير الخارجية بيرس، وسياسيين، ورجال أعمال، وصحافيين وخبراء في المنطقة. د. يوسي فاردي الذي سيصبح لاحقاً غورو التكنولوجيا الإسرائيلية ومستشار رابين للتنمية الاقتصادية الإقليمية، أعطاني قبل الصعود إلى الطائرة كتاباً سميكاً، مليئاً بالخرائط والرسومات البيانية الملونة: الخطة الكبرى التي أعدها سراً هو وفريق كبير من المهنيين في التنمية الاقتصادية لإسرائيل، وفلسطين، والأردن، ومصر. في مركز الخطة، استثمارات كبرى في البنى التحتية المشتركة ـ مشاريع مفصلة، محسوبة، معللة. ثمرة عمل ورؤيا. الترجمة العملية الأولى والأخيرة لاصطلاح «شرق أوسط جديد».
عرضت الخطة على مندوبي العالم العربي ممن وصلوا بجموعهم إلى كازبلانكا، فاقشعرت أبدانهم. الكتب المؤثرة لفاردي خطفت، فتحت وأغلقت على الفور. لا نحتاجكم، قال لنا العرب، إذا أردتم تنمية اقتصادية سريعة لبلداننا، سنفعل هذا بطريقتنا. لم تجد نفعاً ضغوط كلينتون، ويلتسين، ومبارك والملك حسين ـ لم يتأسس بنك دولي لتنمية الشرق الأوسط. ولم يوقع أي اتفاق للتعاون العملي في الاستثمارات في البنى التحتية. لا في مؤتمر كازبلانكا ولا في المؤتمرات الاقتصادية في عمان وفي القاهرة. فالشك، العداء وبالأساس النفور من خطوة تطبيع بارزة مع إسرائيل قبل التوقيع على اتفاق سلام كامل مع الفلسطينيين، صفت كل احتمال لـ «شرق أوسط اقتصادي جديد». أحدث ملفاته مخزنة في مكتبتي البيتية، حجر طريق بلا طريق. تذكرت سلسلة المؤتمرات الاقتصادية والمخططات التي رافقتها حين قرأت وثيقة «السلام من أجل الازدهار» من مصنع جارد كوشنير، صهر ومساعد الرئيس ترامب والروح الحية من خلف الورشة الاقتصادية الشرق أوسطية التي يفترض أن تفتتح في البحرين غداً. هذه الوثيقة محرجة سواء من حيث عمق سوء الفهم للسياقات الاقتصادية الجارية في منطقتنا أم من حيث التجاهل المطلق للواقع الجغرافي السياسي الإسرائيلي ـ الفلسطيني ـ الأردني وبحوث واقتراحات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومجموعة AIX لاقتصاديين إسرائيليين وفلسطينيين، وغيرها. إن التجاهل يفسر الضحالة الاقتصادية للوثيقة. فماذا ينقصها مثلاً؟ موقف من توزيع إقليمي للمياه، ومشكلة اللاجئين، ومن الغلاف الجمركي المشترك، والعملة والبنك المركزي الفلسطيني، ومن الفوارق في مستوى المعيشة وفي الأنظمة بين الدفاع والقطاع، من الحواجز وجدار الأمن، من العمل الفلسطيني في إسرائيل أو قدرات الحكم الفلسطيني المحدودة على أداء المهام.
بالمقابل، يكثر واضعو الوثيقة من استخدام الكلمات الضخمة، التوجه المباشر لـ «الشعب الفلسطيني» وفي الترويج الأيديولوجي للسوق الحرة والملكية الخاصة كحل سحري للضائقة والعداء للأجيال. المبلغ المذكور فيها ـ صندوق متعدد الجنسيات من 50 مليار دولار لتمويل الازدهار الاقتصادي المستقبلي في المنطقة ـ رقم ممجوج وليس سوى عنوان بلا غطاء وبلا أمل. كما أنه كاذب. 28 مليار منه فقط مخصصة للاقتصاد الفلسطيني ومنه ينبغي أن يحسم ـ فيفهم من صيغة الوثيقة ـ المساعدة التي تتدفق منذ الآن إلى السلطة الفلسطينية، نحو 22 ـ 23 مليار دولار في العقد الماضي. وبالتالي يدور الحديث عن إضافة 500 مليون دولار في السنة معظمها اهتمام مدعوم وليس تبرعات. مال متواضع حتى هامشي. بعيد جداً عن الثورة. والتشبيه، مثلما جرى المرة تلو الأخرى في أساسات الخطة، لمستقبل فلسطين مع مستقبل سنغافورة وكوريا الجنوبية ـ هذا هراء اقتصادي، اجتماعي، سياسي وشرق أوسطي من الدرجة الأولى.
وابل من الهزء انصب في الماضي على مبادرة «الشرق الأوسط الجديد» كما عرضت في مؤتمر كازبلانكا، ولكنها كانت ولا تزال ذروة في الجدية، المهنية والواقعية مقابل الرؤيا المخادعة التي تظهر في خطة «السلام من أجل الازدهار» مثلما ستعرض في مؤتمر البحرين.
سيفر بلوتسكر
يديعوت 24/6/2019