اسماعيل جمال كايا
لم تكن أكثر أوساط المعارضة التركية تفاؤلاً تتوقع أن يتمكن أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري من الفوز على بن علي يلدريم مرشح حزب العدالة والتنمية بفارق هائل وصل إلى 800 ألف صوت أي ما يعادل 9٪ من أصوات الناخبين.
فعلى الرغم من أن أغلب استطلاعات الرأي كانت تعطي تقدماً طفيفاً لإمام أوغلو على يلدريم، إلا أن كافة التوقعات المتفائلة في أوساط المعارضة والمراكز البحثية وشركات استطلاعات الرأي تراوحت تقديراتها بفوز إمام أوغلو بفارق يتراوح
بين الـ1 إلى 3٪ من أصوات الناخبين، باستثناء استطلاع رأي أجرته شركة KONDA تمكن بالفعل من توقع حصول فارق 9 نقاط لصالح إمام أوغلو وتحول وقتها إلى محل سخرية الجميع.
بحسب الأرقام الرسمية شبه النهائية والتي بثتها وكالة الأناضول الرسمية عقب فرز 100٪ من الأصوات فقد حصل إمام أوغلو على 4.741.885 بينما حصل يلدريم على 3.935.429 أي أن إمام أوغلو فاز على منافسه بفارق وصل إلى 806.456 صوت، وهو ما يعادل 9.22٪ من إجمالي الأصوات.
وقياساً على الانتخابات الماضية، حصل إمام أوغلو في الجولة الأولى على 4.171.118 بينما حصل في الجولة الثانية على 4.741.885 أي أنه تمكن من الحصول على 570.767 صوت جديد، في المقابل، حصل يلدريم في الجولة الأولى على 4.149.656 صوت بينما حصل في الجولة الثانية 3.935.429 صوت، أي أنه خسر 214.227 صوت.
وفيما يتعلق بنسبة المشاركة في التصويت، شارك في الجولة الأولى 8.866.614 ناخب، بينما شارك في الجولة الثانية 8,925,056 ناخب، وذلك بزيادة لم تتجاوز الـ58.442 ناخب جديد، لكن في مقارنة أهم كانت عدد الأصوات الصحيحة (الأصوات المحتسبة) في الجولة الأولى 8.547.074 صوت، في حين بلغت الأصوات الصحيحة في الجولة الثانية 8.746.458 صوت، وهذا يعني أن هناك 199.384 صوت جديد جرى احتسابها في الجولة الثانية.
وفي الجولة الثانية انسحب مرشحو 4 أحزاب معارضة صغيرة كانوا قد شاركوا في الجولة الأولى، ويبلغ إجمالي عدد الأصوات التي حصل عليها المرشحون الأربعة في الجولة الأولى 91.036 صوت، يعتقد أنها ذهبت جميعها لمرشح المعارضة حيث أعلن عدد منهم دعمه علناً.
وكان من اللافت جداً أن أصوات مرشح حزب السعادة الإسلامي انخفضت إلى 47.829 صوت بعد أن كانت في الجولة الأولى 47.829 صوت، بفارق وصل إلى 55.471 أي أكثر من نصف أصوات الحزب المعروف عن أنصاره تماسكهم والتزامهم الحديدي بقرارات قيادة الحزب التي يعتقد على نطاق واسع أنها أوعزت لنصف ناخبي الحزب بالتصويت لمرشح المعارضة لتعزيز فرص فوزه في ظل الخلاف الحاد للحزب مع أردوغان في الأشهر الأخيرة.
وفي خلاصة لكافة الأرقام السابقة، فإن إمام أوغلو حصل في الجوالة الثانية على 570.767 صوت جديد وذلك على النحو التالي: 214.227 صوت من يلدريم، و199.384 صوت جديد، و91.036 صوت من 4 مرشحين معارضين انسحبوا من التنافس على الجولة الثانية و55.471 صوت من أنصار حزب السعادة، وهو ما يصل بالمجمل إلى 560.118 صوت أي الرقم الذي حصل عليه إمام أوغلو في الجولة الثانية.
أرقام ودلالات سياسية
وفي دلالات الأرقام السابقة، فإن خسارة يلدريم قرابة 215 ألف من أصواته جاء بسبب غضب شريحة من القاعدة الشعبية على سياسات الحزب وقياداته، ورفضهم لقرار إعادة الانتخابات وتأثرهم بدعاية إمام أوغلو التي تركزت على سردية “المظلومية”، وبالتالي قرروا توجيه رسالة إلى قيادة الحزب عبر صندوق الانتخابات، وجزء آخر منهم هم من أنصار حليف أردوغان حزب الحركة القومية الذين عبروا عن غضبهم من موافقة الحكومة على تسريب رسالة لعبد الله أوجلان زعيم تنظيم العمال الكردستاني، وظهور شقيقه في لقاء على التلفزيون التركي الرسمي.
على الرغم من أن العدالة والتنمية ركز على رفع نسبة التصويت إلا أن 60 ألف شخص فقط شاركوا في التصويت بالجولة الثانية لم يكونوا قد شاركوا في الجولة الثانية، ويعتقد أن أغلبهم صوتوا لأكرم إمام أوغلو وليس يلدريم، ما يعني أن الحزب فشل طوال الأسابيع ما بين الجولتين في إقناع جانب من قاعدته الشعبية الغاضبة على سياسات الحزب، في مقابل نجاح إمام أوغلو في تحشيد جانب من غير المهتمين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع في الجولة الثانية بعدما استطاع تعزيز إيمان القاعدة الشعبية للمعارضة بأن التغيير وهزيمة الحزب الحاكم أمر ممكن بعدما كان مستحيلاً طوال الـ17 عاماً الماضية.
وفي دلالة أخرى، فإن عدد الأصوات غير المحتسبة كونها غير صحيحة انخفض بقرابة 140 ألف صوت في الجولة الثانية عن الأولى، وذهبت في أغلبها للمعارضة، وهو أمر يخالف الاعتقاد السابق بأن الأصوات الملغاة كانت من أصوات حزب العدالة والتنمية، وأضعف من نظرية احتمال حصول تزوير في الجولة الأولى عبر إلغاء عدد كبير من الأصوات التي كانت لصالح يلدريم.
كما سجل لتحالف المعارضة قدرته على اقناع الأحزاب الصغيرة وقاعدتها الشعبية أكثر من قدرة العدالة والتنمية، وذلك بدليل حصول المعارضة على أصوات أنصار المرشحين الأربعة المنسحبين والبالغة قرابة 90 ألف صوت، وأصوات حوالي 55 ألف من حزب السعادة.
كما تشير الأرقام، إلى فشل محاولة الحزب الحاكم الأخيرة بالتأثير على أصوات الأكراد في البلاد ودفعهم بالتصويت ليلدريم، وذلك على الرغم من القيام بمناورة غير مسبوقة عبر السماح لأوجلان بإصدار بيان طالب فيه الأكراد بالتزام الحياد والسماح لشقيقه بالظهور على التلفزيون الرسمي، وهو ما يعتقد أنه أدى لنتائج سلبية على الأغلب عبر إغضاب القوميين.