سلافة الماغوط / كاتبة من سوريا
رئتاها مملوءتان حباً ممزوجاً بالهواء الطلق، هواء الجبال والأفق والبساتين والحقول الخضراء. تحكي عن حق المرأة بالحب النبيل والعلاقة بين الرجل والمرأة المثالية والراقية، عن حق حب بنات المدارس البريء. عن المرأة الناضجة التي المفتاح إلى قلبها احترامها ومعاملتها كأنثى شفافة. أغانٍ كلاسيكية لكن بأفكار كلماتها ثورية.
بعد ميتافيزيقي
ثورة في الحب على المفاهيم الشرقية التي تحوّل الحب من حرية إلى عبودية. لذلك هي أعطت الأغنية الشرقية بعداً ميتافيزيقياً روحانياً كنائسياً ملائكياً، سواء غنت بالفصحى أو باللهجة اللبنانية هي عربية وكونية.
أعتقد انه حتى لو استمع لها أحد لا يتكلم العربية لاستهوته طبقات صوتها الفردوسية. صوتها الموسيقي الذي لا استعلاء فيه ولا هو تواضع، إنما محاكاة الذات للمجتمع والمرأة للرجل والكائن للكون. ناهيك أن أغانيها السياسية والوطنية بمثابة رسالة لشعبها أن حدوده تمتد وبإصرار من المحيط إلى الخليج ورسالتها مقدسة لأنها تعبّر عنها بفنها الذي أتقنته وتبدع فيه. فالفن عندها رسالة وليس مهنة. وإن كانت أفكارها في السياسة ليست صحيحة إلا أنها وطنية بامتياز ومخلصة لوطنها وتفكر بهم الوطن العربي وتتحمس له ودائماً تقدم له جديدها الذي يضيف لها وله، إنها الراقية ماجدة الرومي.
أجواء رومانسية
الموسيقى التصويرية للأغنية وإن كانت بأجواء أجنبية إلا أنها أجواء رومانسية تنسجم مع نفسية المرأة الحالمة التي تعيش حالة حب هادئة، والمناظر الخلابة هذه تهدئ الأعصاب وتدعو إلى الاسترخاء والاستسلام إلى أحضان الطبيعة وكأن الانسان المتجول فيها كائناً مثل الأقحوانة أو الفراشة أو الدوري أو الكناري. يتنقل من غصن إلى غصن ويجمّل الطبيعة ويزيدها أنساً وألفة وطمأنينة.
لذلك ماجدة الرومي باختياراتها الصائبة كسبت قلوب محبيها، ومكّنتها من كتابة اسمها بجدارة في سجل المبدعين العرب. واختارت لنفسها خطاً في الفن عبّر عن حقيقة داخلها، خطاً ملتزماً فكرياً يخاطب العقل والقلب، حتى شكّل لوناً خاصاً بها في الفن الراقي الذي يسمو بالذوق العام ويجعلك تشعر أنه من هذا النوع الذي لا يمكنك أن تصل إليه أو تلمسه إلا إذا تأملت فيه وفهمته. ليس هو معقداً وعويصاً على الفهم، إنما من كثرة ما هو بسيط وواضح قد تتجاهله. هذا البسيط والواضح هو الشفافية الأنثوية التي لا يمكن أن تكون صارخة أو عنيفة إنما هي في الأغاني على الأقل ولحظة تكثف المشاعر نبرة رقة ومرونة وبوح وتسليم الروح إلى جماحها.
ماجدة الرومي عندما تقف على المسرح لتغني، كأنها تقف خلف المنبر لتعلن شيئاً ما يشغل تفكيرها، ولا تغني ولا تستعرض طبقات صوتها بقدر ما تريد أن تستخدمه لتوصل فكرة حساسة بالنسبة لها تريد أن تسمع صداها. تغني الشعر وبالفصحى وعن الحب والسياسة لأنها إمرأة ووطنية ولها رأي وموقف وتريد أن يكون صوتها مسموعا، فيه تضامن فيه رغبة بالحياة، وعزيمة من يريد أن يبدأ من جديد، ويجرب افكاراً وأساليب فنية غير مطروقة، ويستمتع باكتشاف نتائج بحثه وجرأته، وما الفنان إلا النبع من العطاء وطرق الأبواب الجديدة والسعي للتحديث ومفاجأة الناس بإنتاج مثير للجدل او إضافة طوبى جديدة تزيد إرث الفنان قيمة وأهمية في ذاكرة الأمة الثقافية.
ملامسة الروح
إنها الراهبة التي تسكن في الدير وجعلت حول نفسها هالة تستحقها، هالة استمدتها من انتقاءاتها التي حرصت على أن تكون ملامسة للروح، تقرع بها أجراس الكنائس، أجراس الأعياد أجراس المحبة أجراس الأخوة أجراس التسامح أجراس المغفرة أجراس البشائر، ما قرّب الفن من الألوهية إن لم ننكر أن هناك شراكة دائمة بينهما، والواحد يدافع عن الآخر، لسبب واحد فقط، انهما كليهما يبعثان على الطمأنينة والسكينة وينقيان الروح من شوائبها ويرفعان من شأنها إلى مرتبة السماء
أليست هذه هي وظيفة الفن. أن يخطفنا بملء إرادتنا من محيطنا إلى عالم افتراضي نتمنى أن نبقى فيه؟