سعيد بلفقير / اعلامي مغربي
في الطريق الممتد بين المطار والفندق مسافة كافية تجعلك تفقد الوعي بالزمن وتؤمن فقط بالجغرافيا.. لا مكان يشبه آخر، ولا شارع ينسخ سابقه، حدائق تستغل كل لحظة لكي تحاصر ناظريك، ونظام يشبه الفوضى لكنه جميل.
الخط الأبيض الفاصل بين ممرات الشوارع مكان مقدس لا حق للسيارات فيه حتى أن بائعي الماء والخبز التركي (سميت) يجدونه منصة لكسب القوت ودعوة السائقين لشراء ما يرغبونه لتخفيف ضغط الزحام بالمدينة.
مر من الوقت أكثر من نصف ساعة ولم أسمع بعد صوت منبه السيارة، ولا مرة واحدة، هذا لا يعني أنه غير موجود لكنه ليس لغة تخاطب أو تواصل هنا.
في ساحة “تقسيم” الشهيرة، العالم تواطأ ليجتمع هنا، وبدون إدراك منك تنخرط في وصلة الهذيان الجماعي، تسرع الخطى دون أن تدري لماذا، تساير من حولك في رقصة جماعية بلا عنوان، دخان شواء الكستناء يمتزج بدخان السجائر، فالكل هنا يدخن ما عداك أنت، أو هكذا يخيل لك.
في كل ركن يجلس عازف أو يقف مغن، بين كل المقامات تعرف تلك التي تشبهك فتجد نفسك واقفا تردد بعض المقاطع.
بين الجموع ترى بعض الرؤوس ملفوفة بعصابات طبية بينما أعلاها ينزف بضع قطرات من الدم، أصحابها من أولائك الذين زاروا المدينة بحثا عن شباب هارب، يزرعون شعرا أسقطته الأيام قبل أوانه، أو تصحيحا لوضع غير مرغوب فيه.
وبين النساء من يضعن ضمادات على الأنوف، ما يوحي بأن عملية هدم وترميم قد جرت وأخرى قيد الإجراء.
اسطنبول مدينة لا تنام ليلا أما نهارا فهي تشبه من يمشي خلال نومه لكنه يعرف طريقه جيدا، مدينة غريبة لكنها تجعلك جزءً منها ولا تلفظ من ألوان البشر أحدا. غريبة حد التأفف، جميلة حد الحنق، سريعة حد الضياع، فاتنة حد الولع، عميقة بلا حد.