برلين – أظهرت بيانات حديثة ان تراجع الصادرات أدى إلى انكماش الاقتصاد الألماني في الربع الثاني من العام ،حيث تضررت شركات الصناعات الأولية جراء تباطؤ عالمي أججته النزاعات بشأن الرسوم الجمركية، والضبابية المتعلقة بانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي.
وانخفض الناتج المحلي الإجمالي 0.1 في المئة على أساس فصلي، وهو ما يتماشى مع استطلاع أجرته لرويترز لآراء محللين، حيث أثار عدة مراقبين احتمالات حدوث انكماش آخر في الربع الثالث من العام، بينما يرى القطاع الصناعي أنه على الحكومة أن تتخلى عن ميزانيتها المتوازنة وأن تبدأ بتحقيق نمو عبر تحفيز مالي، حتى ولو أدى ذلك إلى زياد الاقتراض.
وكشفت بيانات من مكتب الاحصاءات الاتحادي أمس الأربعاء أنه بعد التعديل، في ضوء عوامل التقويم، تباطأ معدل النمو السنوي في أكبر اقتصاد أوروبي إلى 0.4 في المئة في الربع الثاني من العام ،مقارنة مع 0.9 في المئة في الربع الأول. وبالنسبة لعام 2019 بأكمله، تتوقع برلين تسجيل نمو لا تتجاوز نسبته 0.5 في المئة.
ويضع الكثير من خبراء الاقتصاد تعريفا للركود بأنه تسجيل انكماش لفصلين متعاقبين.
الأسواق تشعر بالقلق وتطالب الحكومة بزيادة الإنفاق
وعلى الرغم من أن البيانات الفصلية الرئيسية الصادرة أمس تتفق مع التوقعات، فإن الأسواق تشعر بالقلق، حيث انخفض العائد على سندات الحكومة الألمانية القياسية لأجل عشرة أعوام إلى مستوى قياسي متدن عند -0.624 في المئة.
وأصبح الاستهلاك المحلي أحد المحركات المهمة للنمو في ألمانيا في السنوات القليلة الماضية، حيث يستفيد المستهلكون من ارتفاع قياسي في التوظيف، وزيادات في الأجور تتجاوز معدل التضخم، وانخفاض تكاليف الاقتراض.
وجاءت هذه المساهمات الإيجابية من ذلك المصدر في الربع الثاني من العام، حيث زاد استهلاك الأسر والإنفاق الحكومي وتكوين إجمالي رأس المال الثابت خلال هذا الربع حسبما ذكر مكتب الإحصاءات.
لكن محللين يشيرون إلى أن الأثر الإيجابي لتلك العوامل ينحسر.
وقال كارستن بريجيسكي الخبير الاقتصادي في مجموعة «أي ان جي بنك» إن «النزاعات التجارية والقلق العالمي والصعوبات التي يواجهها قطاع السيارات أدى إلى تركيع الاقتصاد الألماني أخيرا».
ويمكن أن يسوء الوضع في الربع الثالث. وقال كلاوس بورغر، الخبير الاقتصادي في معهد «كا اف في»، ان «الباب بات مفتوحا لانكماش تقني، أي فصلين سلبيين متتاليين».
وتُعَوِّل الحكومة الألمانية حاليا على نمو بنسبة 0.5 في المئة هذه السنة، وهو رقم ضعيف تاريخيا، بينما يتحدث «صندوق النقد الدولي» عن 0.8 في المئة، وهو تراجع بالمقارنة مع 2.2 في المئة في 2017 و1.4 في المئة العام الماضي.
هذه الأجواء أعادت إحياء الجدل في ألمانيا حول الميزانية، وحول وقف الحزم التحفيزية، وضرورة اللجوء إلى الاستدانة من أجل تحفيز النشاط، لا سيما وأن الصناديق العامة ممتلئة بسبب الفائض في الميزانية منذ سنوات.
وقال كلاوس ميكلسن، من معهد «دي اي في» في برلين، ان «الوقت يبدو اليوم مناسبا أكثر من أي وقت مضى لبدء تغيير في التوجه».
وأطلق كوادر عدة في الحزب الاشتراكي الديموقراطي الشريك في الإئتلاف الحكومي مع المحافظين بقيادة أنغيلا ميركل، مؤخرا الجدل حول اللجوء إلى الدين للتمويل وخصوصا لخطة مكافحة التغيرات المناخية.
لكن المحافظين يعارضون ذلك ويريدون الإبقاء على السياسة نفسها التي تقضي بضمان ميزانية فدرالية متوازنة.
واعترفت ميركل أمس الأول بأن الاقتصاد الألماني يمر «بمرحلة صعبة» لكنها رفضت فكرة قبول العجز في الميزانية من أجل إطلاق أي خطة للإنعاش. وقالت أنها لا ترى «أي ضرورة من أجل حزمة» لتحسين الوضع.
وينص الدستور الألماني على تبني سياسة صارمة في الميزانية، بموجب آلية وقف الاستدانة التي تحد بشكل كبير من هامش أي مناورة في هذا المجال.
وفي الفترة بي أبريل/ نيسان ويونيو/حزيران، تأثر الاقتصاد الأوروبي الأول إيجابا بالطلب الداخلي وخصوصا استهلاك العائلات والنفقات العامة والاستثمارات مع تراجع طفيف في البناء.
لكن تراجع الطلب الخارجي، المحرك التقليدي للاقتصاد الألماني الذي يهتز منذ عام، أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. وقال مكتب الاحصاءات إن «الصادرات تراجعت بشكل أكبر من الواردات» بالمقارنة مع الفصل الي سبق.
وأدت الإجراءات الحمائية التي أطلقتها الولايات المتحدة التي تخوض نزاعات تجاريا مع الصين، وكذلك ملف «بريكسِت» الذي طال أمده في الاتحاد الأوروبي، إلى كبح الطلب على المعدات الألمانية وكذلك السيارات والآلات التي تستخدم أدوات.
من جهة ثانية وصف رئيس الكتلة البرلمانية لحزب اليسار الألماني المعارض ديتمار بارتش انكماش الاقتصاد الألماني بأنه دليل على سوء السياسة الاقتصادية للحكومة الاتحادية.
وقال «كان من الممكن تجنب التراجع، إنه محلي الصنع في الأساس، لاسيما لأن الطلب في السوق المحلية ضعيف. اعتبر رفض المستشارة (الألمانية أنغيلا ميركل) لحزمة تحفيز اقتصادية إهمالا جسيما، وقال «وسواء سميناه ذلك حاليا أم لا، فإن البقاء كمتفرجين لا يكفي».
وأشار إلى ان ما يتم استثماره حاليا من قبل الحكومة ليس له أية علاقة على الإطلاق بما هو ضروري، وقال «إننا بحاجة لحزمة استثمارات في البُنية التحتية والتعليم والرقمنة وحماية المناخ. السكك الحديدية والمدارس والشوارع والإنترنت وثورة النقل: ألمانيا تقوم باستثمارات محدودة للغاية منذ أعوام».