اسماعيل كايا / اسطنبول
على الرغم من ابتعاده عن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا منذ سنوات، إلا أن رئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، فضل عدم تقديم استقالته من الحزب، مفضلاً أن تأتي الخطوة من الرئيس رجب طيب اردوغان ليحقق قدراً من التعاطف الشعبي ويرفع رصيده الجماهيري عبر اللعب على وتر «المظلومية»، وتجنب الاتهام بـ«الخيانة».
وفي ساعة متأخرة من مساء الإثنين، قررت اللجنة التنفيذية في «العدالة والتنمية» التركي الحاكم بالإجماع إحالة 4 أعضاء من الحزب إلى اللجنة التأديبية تمهيدا للفصل النهائي، وهم إلى جانب داود أوغلو: سلجوق أوزداغ، وأيهان سفر أوستون، وعبد الله باشجي، وجميعهم مسؤولون سابقون كبار في الحزب.
وفي ظل السيطرة الكبيرة للرئيس اردوغان على هيئات الحزب المختلفة، يتوقع أن توافق اللجنة التأديبية في الحزب خلال الأيام المقبلة على طلب اللجنة التنفيذية على قرار الفصل بشكل نهائي، وهو ما سيعني فصل داود أوغلو نهائياً من صفوف «العدالة والتنمية».
ومنذ مغادرته منصب رئاسة الوزراء عام 2016 نتيجة تصاعد الخلافات مع اردوغان، فضل داود أوغلو الابتعاد عن صفوف الحزب ولم يعد يشارك في أي أنشطة شعبية أو رسمية له، قبل أن يبدأ في الأشهر الأخيرة توجيه انتقادات علنية للحزب وزعيمه اردوغان، معتبراً أن «العدالة والتنمية» حاد بشكل كبير جداً عن مبادئه التي أسس لأجلها.
وفي الأسابيع الأخيرة، لا سيما عقب النتائج المخيبة للحزب في الانتخابات المحلية التي جرت في نهاية آذار/مارس الماضي، صعد داود أوغلو انتقاداته العلنية لـ«العدالة والتنمية» واردوغان، وصولاً للخروج في لقاءات شعبية وتلفزيونية لهذه الغاية. ومن أبرز تصريحات داود أوغلو الأخيرة انتقاده قرار اردوغان إقالة رؤساء بلديات ديار بكر وفان وماردين من حزب «الشعوب الديمقراطي»، وانتقاد كذلك قرار اللجنة العليا للانتخابات بإلغاء نتائج انتخابات إسطنبول، وتوجيهه انتقادات تتعلق بالواسطة والمحسوبية في صفوف الحزب، والتلميح مراراً على صهر اردوغان وزير الخزانة والمالية، بيرات البيرق. ورغم الحديث الواسع عن نيته منذ أشهر تشكيل حزب سياسي جديد في البلاد، والأنباء عن وصوله إلى مراحل متقدمة، من حيث تحشيد قيادات أخرى واستئجار مبان لتكون مقرات، وكتابته برنامج «مانفيستو» الحزب، إلا أنه بقي في صفوف حزب «العدالة والتنمية» ولم يتقدم باستقالته على غرار ما فعل وزير الاقتصاد السابق، علي باباجان، الذي استقال قبل أسابيع وسط أنباء عن نيته هو الآخر تشكيل حزب سياسي جديد.
انتظر الخطوة دون تقديم استقالته ليحقق مكاسب شعبية
ويقول مراقبون إن داود أوغلو هدف من خلال ذلك إلى تجنب تقديم استقالته بشكل مباشر عبر كافة السبل وذلك من أجل تحقيق مكاسب شعبية وسياسية وكان يعول على استفزاز اردوغان من خلال التصريحات والانتقادات التصاعدية المتلاحقة، وهو ما تحقق بالفعل.
وفضل داود أوغلو إقالته من «العدالة والتنمية»، على أن يتقدم هو بالاستقالة، وذلك لكسب مزيد من التأييد والتعاطف الشعبي، لا سيما من القاعدة الشعبية لحزب «العدالة والتنمية»، عبر إظهار «المظلومية» والتأكيد بأنه لم يكن يرغب بالخروج من الحزب لولا أنه جرى إخراجه رغماً عنه، حيث يعرف في أروقة السياسة التركية أن الشعب التركي يتضامن مع من يتعرض للمظلومية، على غرار ما جرى في انتخابات بلدية إسطنبول الأخيرة والدعم الكبير الذي حصل عليه أكرم إمام أوغلو بعدما اعتبر قرار إعادة الانتخابات ظالماً بحقه. كما نجح داود أوغلو من خلال هذه الخطوة بتجنب التهمة التاريخية التي كانت ستلصق به في حال تقدم هو بالاستقالة، وإمكانية اعتباره «خائناً» لحزبه ورفيق دربه، وهو بذلك يلعب على قاعدة أنه كان يعمل على إصلاح صفوف الحزب، لكن تمت إقالته وطرده.
كما تعتبر هذه الخطوة تمهيداً هو الأفضل والأسهل لداود أوغلو من أجل الإعلان رسمياً عن نيته تشكيل حزب سياسي جديد في البلاد، فعلى مدى الأسابيع الماضية لم يؤكد داود أوغلو هذه الأنباء، لكنه الآن بإمكانه الإعلان عن حزب سياسي جديد بحجة أنه لم يعد في صفوف أي حزب، وأن الحزب الجديد هو حاجة ملحة من أجل ممارسة العمل السياسي.
وبينما تتوقع أوساط تركية مختلفة نية داود أوغلو الحقيقية بالإعلان قريباً عن تشكيل حزب جديد في البلاد، تؤكد كافة المعطيات أنه فشل في التوافق مع الرئيس السابق، عبد الله غل، ووزير الاقتصاد السابق، علي باباجان، على التحرك بشكل مشترك، حيث يتوقع أن باباجان هو الآخر يعمل بشكل منفصل على تشكيل حزب آخر من رحم العدالة والتنمية.
ويحظى باباجان بفرص أكبر للمنافسة في أي انتخابات مقبلة في حال تشكيله حزباً سياسياً جديداً، حيث يعتبر من أبرز الوجوه الاقتصادية وينسب إليه الفضل في النجاح الاقتصادي الذي حققه العدالة والتنمية في السنوات الأولى لحكمه، وتكمن أهميته حالياً في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد وارتفاع نسب التضخم والبطالة وتراجع نسب النمو، حيث يسعى لتقديم نفسه للجمهور من هذا الباب.
في المقابل، وعلى الرغم من مكانته السياسية التاريخية في البلاد، والمناصب الكبرى التي تقلدها طوال السنوات الماضية، إلا أنه لا يتوقع أن يحظى أي حزب جديد يشكله داود أوغلو بشعبية كبيرة في البلاد، على الأقل في السنوات الأولى لتشكيله، إلا في حال تمكنه من التحالف مع الأقطاب الأخرى المبتعدة عن العدالة والتنمية وحصول تغيرات كبيرة في التركيبة السياسية في البلاد.
فرغم تراجع أصوات «العدالة والتنمية» في الانتخابات المحلية الأخيرة، إلا أنه ما زال الحزب الأكبر والأكثر شعبية في البلاد، كما ما يزال اردوغان الزعيم الأبرز والأكثر شعبية، لكن مراقبين يحذرون من تراجع أكبر للحزب في حال لم يتدارك الأزمة ويعمل على إصلاحات واسعة في صفوفه الداخلية وعلى صعيد حكومة الرئيس اردوغان.