اسماعيل كايا / اسطنبول
نشطت في الأيام الأخيرة حركة الهجرة من تركيا إلى اليونان براً وبحراً، الأمر الذي أثار غضب أثينا ودفعها إلى استدعاء السفير التركي لديها، براق أوزكركين، وسط تساؤلات حول ما إن كان ذلك يأتي بسبب تراخ في الإجراءات الأمنية التركية أم بفعل تصاعد رغبة اللاجئين السوريين في الوصول إلى أوروبا عقب تصاعد هجوم النظام وروسيا على محافظة إدلب شمالي سوريا.
ويعتقد على نطاق واسع أن تركيا بدأت بالفعل بتنفيذ تهديداتها تدريجياً، وذلك من أجل الضغط على الاتحاد الأوروبي لمساعدتها في الضغط على روسيا لوقف هجوم النظام على إدلب الذي تخشى تركيا أن يؤدي إلى نزوح أكثر من ثلاثة مليون سوري نحو أراضيها.
وكان وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، صرح الشهر الماضي، بأن الحكومات الأوروبية لا تستطيع الصمود 6 أشهر، في حال فتحت تركيا أبوابها أمام المهاجرين وسمحت لهم بالعبور نحو القارة الأوروبية، لكنه شدد على عزم بلاده محاربة الهجرة غير القانونية من الأراضي التركية.
وتبدو تركيا غير مطمئنة للهدنة الأخيرة التي أعلنتها روسيا في الأيام الأخيرة في إدلب، وتخشى استمرار الهجوم في الأيام المقبلة بعد أن يتمكن النظام من إعادة ترتيب صفوفه، وسط أنباء عن نزوح قرابة مليون شخص نحو الحدود التركية، وتصاعدت المخاوف التركية عقب التظاهرات التي نظمها النازحون الجمعة الماضية للضغط على تركيا لوقف الهجوم أو فتح الحدود أمام النازحين.
وعلى الرغم من أن تركيا لم تفتح الحدود بعد ولم تسمح بعبور اللاجئين من إدلب إلى الأراضي التركية، إلا أن الهجرة عبر الحدود بشكل غير قانوني قد تصاعدت بشكل لافت، كما تزايدت رغبة اللاجئين الموجودين في تركيا منذ سنوات في محاولة الوصول إلى أوروبا، وذلك بالتزامن مع الهجوم على إدلب، والقوانين والإجراءات التركية الجديدة المتعلقة بأوضاع اللجوء والعمل في البلاد.
ومنذ أيام، بدأت السلطات اليونانية بنقل آلاف المهاجرين من المخيمات في جزر بحر إيجة إلى داخل الأراضي اليونانية، حيث تخطت هذه المخيمات قدرتها الاستيعابية، وعلى سبيل المثال جرى نقل 1500 لاجئ من مخيم موريا في جزيرة ليسبوس بعدما وصل عدد المقيمين فيه إلى 11 ألف، بينما لا تتجاوز قدرته الاستيعابية ثلاثة آلاف شخص فقط، حيث يعيش عشرات آلاف اللاجئين ظروفاً مأساوية في المخيمات الموجودة بالجزر اليونانية.
وقالت وسائل إعلام يونانية إن الأيام الأخيرة شهدت زيادة في أعداد المهاجرين غير النظاميين الذين يتدفقون إلى جزر البلاد عبر بحر إيجة، وشهد يوم الخميس الماضي وصول 547 مهاجراً غير قانوني إلى جزيرة مدللي (ليسبوس)، وهو رقم قياسي يعتبر الأكبر منذ توقيع اتفاق الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي عام 2016، كما أشارت تقارير إلى أن أكثر من 6 آلاف مهاجر غير نظامي وصلوا إلى جزر بحر إيجة اليونانية، منذ مطلع أغسطس/ آب الماضي.
ورداً على ذلك، استدعى وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، سفير أنقرة لدى أثينا براق أوزكركين، إلى مقر وزارة الخارجية، وأعرب له عن انزعاج سلطات بلاده من زيادة عدد المهاجرين الذين يعبرون إلى جزر بحر إيجة اليونانية في الآونة الأخيرة.
وخلال لقائه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل قبل أيام، اشتكى رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس من ازدياد عدد اللاجئين الوافدين إلى بلاده خلال الأشهر الأخيرة، واعداً بضرورة إعادة اللاجئين إلى تركيا، وطلب من ألمانيا مساعدة بلاده في حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ودعا دول الاتحاد إلى إظهار تضامن أكبر مع اليونان فيما يخص مسألة اللاجئين. ونقلت وكالة الأناضول، عن مصادر دبلوماسية تركية، أن أنقرة أبدت المحافظة على الالتزام بمضمون الاتفاق الموقع مع الاتحاد الأوروبي حول الهجرة، وأن أنقرة تنتظر من الاتحاد الأوروبي الوفاء بالتزاماته، حيث تتهمه بعدم الوفاء بالتزاماته وتقديم المساعدات اللازمة للاجئين المقيمين على الأراضي التركية.
ورداً على الاتهامات الأوروبية، أعرب وزير الداخلية التركي، الثلاثاء، عن استيائه من «التصريحات الأوروبية التي تزعم ازدياد أعداد المهاجرين القادمين عبر تركيا إلى اليونان»، وقال: «لو أن الاتحاد الأوروبي فكر في تركيا (بمسألة المهاجرين) بقدر تفكيره في اليونان، لربما استطعنا معالجة المشاكل بشكل أفضل»، ولفت إلى أن بلاده ضبطت نحو 237 ألف مهاجر غير نظامي منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية أغسطس/ آب المنصرم.
ومع تزايد الهواجس التركية من حصول موجة هجرة ضخمة من إدلب، أكد نائب وزير الداخلية التركي إسماعيل تشاتقلي، الأربعاء، أن استراتيجية بلاده الأساسية هي استقبال أي موجة نزوح جديدة محتملة من محافظة إدلب السورية، خارج حدودها، وأنهم يأملون بأن يتم تحقيق الاستقرار في المنطقة حتى لا يتضرر مزيد من الناس بسبب الحرب.
وبين المسؤول التركي أن بلاده تبذل جهوداً حثيثة للحيلولة دون حدوث مأساة إنسانية أكبر، وحل المشكلة في تلك المنطقة باستخدام جميع الأدوات وعلى المستويات مختلفة، وشدد على ضرورة ألا يبقى المجتمع الدولي مكتوف الأيدي حيال المأساة الإنسانية في إدلب، وخاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.