محمد هبة / دمشق
لا يزال الشمال السوري يشهد غلياناً، في ظِل حشود وحشود مضادة في محيط إدلب المحاصرة والتي تؤوي أكثر من 3.5 مليون مدني، وسط قصف روسي وسوري عنيف استؤنف لليوم الثالث على التوالي بينما ذكرت وكالة الاناضول أن تعزيزات عسكرية واسعة جرت أمس لنقاط تركيا العسكرية في محيط إدلب في ظل التوتر الكبير في المنطقة.
وحسب ما ذكره المتحدث باسم الجيش الوطني الرائد يوسف حمود لـ «القدس العربي» فإن أمس كان الأعنف منذ أيام، مما ينذر حسب توقعه بحملة وهجمات عسكرية ضخمة، ستتولى مهمتها قوات من المرتزقة الروسية التابعة للشركات الخاصة وعلى رأسها «فاغنر الروسية» وميليشيات إيرانية يتم تحشديها وتعبئة جنودها على خطوط التماس.
ورجح حمود «عودة القوات الروسية إلى عدوانها على إدلب وريفها ودعم ميليشيات النظام وايران من اجل قضم مناطق جديدة في ادلب» موضحاً ان المشروع الروسي قد بدأ الآن بحملة جديدة تحت ما يسمى إعادة مدينة ادلب وريفها لسيطرة النظام السوري، بحجج لا زالت قامة أهمها «فتح الطرق الدولية وتحقيق الاهداف الروسية التي تصر على السيطرة على كافة مناطق اوتوستراد ام 5 بين حلب ودمشق، وهذا ما لاحظناه مع بداية القصف الجوي الروسي الذي طال منطقة إدلب والأرياف المحيطة بها».
حشود روسية
وتقول المعارضة إن تعزيزات جديدة من قوات روسية خاصة وفصائل مدعومة من إيران ووحدات عسكرية سورية خاصة تصل يومياً وتحتشد في خطوط المواجهة في جنوب إدلب حسب تصريحات لهم إلى وكالة رويترز وذلك قد يكون استعداداً لهجوم وشيك.
وأكد المتحدث العسكري باسم الجيش الوطني لـ»القدس العربي»: «متابعة الحشود الروسية عبر طيران الاستطلاع» موضحاً أنها تضم إضافة إلى القوات الروسية «الشركات الخاصة الروسية واهمها قوات فاغنر اضافة إلى الميليشيات الطائفية التابعة لإيران» وقال «توقعنا في السابق عدم جدية وقف اطلاق النار، وعودة التصعيد من جديد إلى المنطقة وخاصة قبل الاجتماع الثلاثي المقرر» والذي سيجمع قادة تركيا وروسيا وإيران، في أنقرة في 16 أيلول/سبتمبر الحالي، وأضاف «على ما يبدو سيبدأ عدوان واسع سيطال المدنيين بالدرجة الأولى من أجل تشكيل موجة نزوح إلى الحدود مع تركيا، وإيجاد نقاط تفاوضية في الاجتماع المقبل وهو ما يدعونا إلى ترجيح تعاظم حملة القصف والعنف الجوي على المنطقة، علاوة على ان القصف المدفعي لم يتوقف في الفترة الأخيرة الفائتة».
تجدد القصف
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان تجدد القصف الجوي لليوم الثالث على محيط إدلب، حيث نفذت طائرات حربية روسية غارات على منطقة سد الشغر في ريف إدلب الغربي على بعد كيلومترات قليلة من الحدود مع تركيا، فيما تواصل الطائرات تحليقها في سماء المنطقة، لافتاً إلى ان قوات النظام قصفت بعد منتصف ليل الأربعاء – الخميس أماكن في كل من معرة حرمة وكفرسجنة والفطيرة ومزارع أم جلال ومناطق في ريف معرة النعمان الشرقي، وطال القصف أيضاً محور زمار وجزرايا في ريف حلب الجنوبي، بالتزامن مع تحليق طائرات الاستطلاع في المنطقة الشرقية لمنطقة خفض التصعيد».
ومن المعلوم ان وقف اطلاق النار الذي اعلن عنه من قبل الروس الأسبوع الفائت، هدفه ليس وقف قتل السوريين، انما منح تركيا فرصة جديدة لمحاولة إقناع الفصائل بتنفيذ اتفاق سوتشي دون قتال، بعد تجمع المدنيين الهاربين من الموت عند الحدود السورية – التركية.
لا ينكر ان لدى تركيا من اللاجئين السوريين أكثر من كل دول العالم، وهي دولة لها حدود واسعة تأثرت خلال سنوات الثورة السورية، لكن النزاع الحاصل في البلاد، لم ينته بعد، وهو ما يدفع بالمزيد من المدنيين إلى الفرار إلى المخيمات ودور الإيواء المؤقتة التي اكتظت بساكنيها خلال الآونة الأخيرة، فيما أجبر مئات الآلاف على التوجه نحو الخط الحدودي الفاصل مع تركيا، وتشييد الخيام والمساكن المؤقتة بانتظار ان تسنح لهم الفرصة بالدخول إلى أراضي الجوار.
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني تحدث، عن استيعاب الحكومة التركية لأكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، لكنه اعتبر ان «هذا لا يعني ان يحق للحكومة التركية إغلاق الحدود امام طالبي اللجوء، فيجب فتح الحدود امام هؤلاء ممن يتم رفضه من قبل حرس الحدود وهو بهذا ينتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر الاعادة القسرية لطالبي اللجوء على الحدود في حال تعرض حياتهم للتهديد او التعذيب او للاضطهاد وهو ما يحصل الآن لاكثر من 600 ألف مدني على الحدود السورية – التركية الذين هربوا من هجمات النظام السوري وروسيا وهي هجمات حقيقية ضد المدنيين، واستهدفت المشافي والمدارس».
وأضاف عبد الغني أنه وبناء على إحصائيات دقيقة وثقتها الشبكة السورية فإن «هؤلاء المدنيين فارون من خطر وتهديد حقيقي، وعندما يغامر بعض من هؤلاء اللاجئين ويحاول الدخول إلى الاراضي التركية بطرق غير شرعية، لا يحق لحرس الحدود استخدام القوة المميتة ضد طالبي اللجوء، وكما انه لا يحق لا لتركيا ولا لأي دولة أخرى بموجب القانون الدولي ان يتم اساءة معاملتهم ويجب ان تتوفر لهم العناية الطبية اذا لزم الامر والخدمات الاساسية مثل المياه على سبيل المثال وهي جزء من الخدمات القانونية الرئيسية».
واعتبر المتحدث ان المفوضية السامية لحقوق اللاجئين، لم تضغط على تركيا التي يعيش على أراضيها أكثر من 3.5 مليون مدني سوري، أسوة بالاتحاد الأوروبي الذي لم يضغط بدوره، بسبب الاتفاق بينه وبين تركيا، الذي ينتهك اتفاقية وحق اللجوء، كونه ينص على اعادة اللاجئين إلى تركيا على افتراض ان تركيا بلد آمن.
الائتلاف
سياسياً، بدأ وفد رفيع المستوى من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، برئاسة رئيسه أنس العبدة، بجولة إلى إيطاليا ودولة الفاتيكان، وذلك ضمن خطة لحشد التأييد الدولي لوقف «العدوان» الذي تشنه قوات النظام السوري بدعم روسي وإيراني على إدلب، والعودة الحقيقية إلى طاولة المفاوضات لتطبيق القرارات الدولية وفي مقدمتها بيان جنيف والقرار 2254. وحمل وفد الائتلاف الوطني مطالب عدة، ومقترحات من شأنها حماية المدنيين، وإنشاء برنامج لإغاثة النازحين والمهجرين، إضافة إلى دعم البرامج التي تعدها الحكومة السورية المؤقتة لإدارة المناطق المحررة وتعزيز بقاء المدنيين فيها، مع التركيز على أهمية ردع نظام الأسد وحلفائه عن استهداف المدنيين في مناطق خفض التصعيد شمال سوريا، والتعريف بجرائم الحرب الناتجة عن قصف المنشآت الطبية والمدنية من مدارس وأسواق ومساكن، على اعتبار أن تلك العمليات هي السبب الرئيس وراء موجات لجوء جديدة محتملة. ووضع الوفد على جدول أعماله دعوة الدول الصديقة كافة إلى دعم الجهود الأممية لتحريك العملية السياسية المتوقفة بسبب تعنت نظام الأسد وتعويله على الحل العسكري الدموي.