اسماعيل كايا / اسطنبول. الصورة لوزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف يصافح نظيره القبرصي نيكوس كريستودوليديس
عقب أشهر من لعبها على ورقة الأكراد في شمال سوريا، أشهرت السعودية ورقة “قبرص اليونانية” في وجه تركيا، بالتزامن مع تصعيدها الضغوط الاقتصادية والإعلامية على أنقرة التي عادت لتفعيل قضية قتل وتقطيع الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للجريمة.
وفي توقيت حساس، زار وزير الخارجية السعودي إبراهيم بن عبد العزيز العساف، الأربعاء، قبرص اليونانية في زيارة هي الأولى من نوعها لوزير سعودي للجزيرة منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بالتزامن مع تصاعد الخلافات التركية القبرصية حول مصير الجزيرة المنقسمة واستخراج الموارد الطبيعية.
وفي مؤتمر صحافي للعساف مع الرئيس القبرصي نيكوس هيرستودوليديس، أعلن أن المملكة “تؤيد شرعية قبرص وسيادتها والقرارات الدولية المتعلقة بقبرص، وخاصة الصادرة عن الأمم المتحدة”، مشدداً على أن السعودية سوف تستمر في دعم قبرص وتطوير العلاقات معها، في تحد مباشر لتركيا التي تعتبر الخطوة السعودية موجهة بشكل مباشر ضدها.
هذه الزيارة جاءت بعد أسبوع فقط من تعيين السعودية أول سفير لها في قبرص، حيث قدّم السفير السعودي خالد بن محمد الشريف أوراق اعتماده إلى رئيس قبرص اليونانية، في خطوة تعكس مدى التركيز السعودي على استخدام الورقة القبرصية في هذا الوقت بالتحديد.
وجاءت هذه الزيارة في ذروة الخلافات التركية القبرصية، إذ تتهم أنقرة نيقوسيا بمحاولة السيطرة على موارد الجزيرة وحرمان القبارصة الأتراك من حقوقهم، كما تصاعدت الخلافات بين الجانبين عقب بدء أنقرة بالتنقيب عن النفط والغاز في شرقي البحر المتوسط وفي محيط الجزيرة.
وعلى مدار اليومين الماضيين، احتفت وسائل الإعلام السعودية بشكل غير مسبوق بهذه الزيارة، وركزت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) على نشر تصريحات الوزير السعودي الذي أكد على دعم قبرص وتطوير العلاقات معها، وهو ما ركزت عليه أيضاً جميع القنوات والصحف المدعومة من المملكة. ونشرت (واس) أيضاً تقريرا بعنوان: “المملكة وقبرص.. علاقات تتطور وتعاون طموح”.
لكن الرسائل التي أطلقتها عشرات الشخصيات السعودية المعروفة بقربها من ولي العهد محمد بن سلمان عبر وسائل التواصل الاجتماعي كانت مباشرة وواضحة باتجاه اعتبار الزيارة خطوة سعودية مباشرة ضد تركيا، في إطار تصعيدها المتزايد ضد أنقرة بسبب الخلافات المتصاعدة منذ قتل الصحافي جمال خاشقجي.
وانتشرت مئات الكتابات الداعمة للخطوة السعودية تحت وسم “السعوديون يدعمون قبرص”، كما دشن ما يعرف بـ”الذباب الإلكتروني” الذي تديره الفرق الإلكترونية التابعة لبن سلمان وسمي “تركيا تحتل قبرص” و”أردوغان يحتل شمال قبرص”، نشروا من خلالهما صورا وخرائط وكتابات تهاجم تركيا والرئيس أردوغان.
وانتشرت كتابات من قبيل: “السعودية تثير جنون أردوغان بزيارة قبرص”، و”تدعم قطر والإخوان، ونحن ندعم قبرص والأكراد”، و”بمجرد زيارة من مسؤول سعودي إلى قبرص جنّ جنون الأتراك، فكيف لو تمت مقاطعة السياحة في تركيا وتوجيه البوصلة السياحية إلى قبرص؟”.
وبالتوازي مع ذلك، جدد سعوديون أيضاً حملاتهم القديمة الداعية لوقف السياحة السعودية إلى تركيا بشكل نهائي، وبدأوا بنشر صور وعروض للسياحة إلى قبرص، والحديث عما قالوا إنها مميزات للسياحة في الجزيرة، معتبرين أن كل من يزور تركيا “يدعم أردوغان في هجومه ضد السعودية”، على حد تعبيرهم. كما نقلت وسائل إعلام سعودية عن الرئيس التنفيذي لطيران ناس السعودي تأكيده أن الشركة تدرس في الوقت الراهن فتح خط طيران مباشر إلى لارنكا القبرصية لتشجيع السياحة.
في المقابل، حذر مغردون عرب وأتراك من أن استخدام السعودية للورقة القبرصية لا يعتبر معاداة لأردوغان أو حزب العدالة والتنمية الحاكم، وإنما للكل التركي، لما تمثله القضية من محل إجماع بين كافة الأحزاب التركية وتدفعها جميعها لدعم موقف أردوغان من المملكة.
وعلى الرغم من عدم صدور موقف رسمي تركي، إلا أن قناة “تي أر تي” التركية الرسمية نشرت لقاء مع مستشار أردوغان لشؤون الحزب ياسين أقطاي، اعتبر فيه أن “زيارة وزير الخارجية السعودي إلى قبرص اليونانية تتعارض مع أواصر الصداقة، وهذا تحدٍّ لتركيا لا يليق بالمملكة التي ننتظر منها مواقف أكثر عقلانية، لأن تركيا ليست عدواً للسعودية”.
وطوال الأشهر الماضية، نفذت جهات سعودية حملات ضخمة لوقف السياحة السعودية إلى تركيا ووقف شراء السعوديين للعقارات في تركيا، وانتقلت هذه الحملات في الأسابيع الأخيرة لمرحلة متقدمة مع دعمها من قبل وزارة الخارجية السعودية التي نشرت تحذيرات متتالية عن وجود عمليات سرقة وقتل ونصب وغيرها بحق السياح السعوديين، إذ سجلت السياحة السعودية لتركيا تراجعاً يصل إلى 30٪ في النصف الأول من العام الجاري.
كما انتقلت الحملات السعودية لمرحلة أخرى من خلال التضييق على التجارة التركية إلى السعودية، واحتجاز مئات الشاحنات في الموانئ وتأخير دخولها الأراضي السعودية لأسابيع، وسط أنباء عن إجراءات جديدة تستهدف التضييق على التجارة التركية للمملكة.
وكانت السعودية بدأت بتقديم الدعم العلني لوحدات حماية الشعب الكردية شمالي سوريا، والتي تعتبرها تركيا امتداداً لتنظيم “بي كا كا”.
ونظّم مسؤولون سعوديون زيارات متتالية لشمالي سوريا وقدموا دعماً مادياً كبيراً لهذه الوحدات، وهو ما اعتبرته تركيا تحركاً معادياً خطيراً.
ومع اقتراب مرور عام على جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، عادت الصحف التركية لنشر تسريبات متتالية عن دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الجريمة، ويتوقع أن يتزايد التركيز التركي على القضية في الأيام المقبلة في محاولة للضغط على السعودية لمحاكمة المتهمين في الجريمة.