يتجه رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، ونائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان، المستقيلان حديثاً من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، إلى الإعلان عن تشكيل حزبين سياسيين جديدين في البلاد، في أول تصدع حقيقي في الحزب الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب اردوغان ويحكم البلاد بمفرده منذ قرابة 17 عاماً.
وعلى الرغم من أن التوقعات واستطلاعات الرأي الأولية تعطي حظوظاً محدودة ونسباً متواضعة للحزبين في المرحلة الأولى من تشكيلهما، إلا أن هذه الأحزاب قد تكون نتائجها كارثية على «العدالة والتنمية» واردوغان، وتنهي سيطرته القوية على الحكم لصالح المعارضة التي استعادت قوتها وتنظيمها في السنوات الأخيرة.
فقبل نحو شهرين، أعلن باباجان استقالته من حزب «العدالة والتنمية» بشكل نهائي، وذلك بعد سنوات من ابتعاده عن الحزب، وتوجيهه انتقادات لاذعة لقيادته الحالية. وحديثاً، أكد باباجان في تصريحات صحافية أنه ينوي الإعلان عن حزبه الجديد قبيل نهاية العام الجاري، ولفت إلى أن الرئيس السابق عبد الله غل يدعم الحزب الجديد.
والأسبوع الماضي، وبعد أيام من إحالته إلى لجنة التأديب في الحزب تمهيداً لإقالته، أعلن داود أوغلو استقالته من «العدالة والتنمية» برفقة 6 نواب سابقين في البرلمان، وبعد أن وجه انتقادات تاريخية غير مسبوقة لاردوغان و«العدالة والتنمية»، أكد أنه أمام «مسؤولية تاريخية لبدء حراك سياسي جديد في البرلمان»، في إشارة إلى نيته تشكيل حزب سياسي جديد.
وتؤكد جميع التطورات والمعلومات حتى الآن أن أكبر ثلاثة زعماء مبتعدين عن «العدالة والتنمية» فشلوا حتى الآن في اتفاق على برنامج مشترك، وتسير الأمور حالياً نحو تشكيل حزبين مختلفين، أحدهما يتزعمه داود أوغلو، وآخر يتزعمه باباجان مدعوماً من عبد الله غل، الذي لا يفضل حتى الآن الظهور بشكل مباشر في الحزب الجديد، ولم يقدم استقالته من «العدالة والتنمية» حتى الآن.
ويبدو أن باباجان يحظى بتأييد أكبر في الشارع التركي، حيث يستفيد من صورته كرجل اقتصاد ناجح في البلاد بالتزامن مع بحث الشارع التركي عن منقذ من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، في مقابل نسبة تأييد أقل لحزب داود أوغلو الذي لم ينجح حتى الآن باستقطاب قيادات أخرى وازنة في حراكه السياسي الجديد.
وبشكل عام، تبدو حظوظ الحزبين الجديدين، حال الإعلان عنهما فعلياً، متواضعة جداً في المرحلة الأولى، حيث منحتهما مراكز استطلاعات رأي وهيئات بحثية نسبة لا تتجاوز الـ3 إلى 5٪ إذا جرت انتخابات في الفترة القريبة المقبلة، وهي نسبة قد تزيد كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة عام 2023 وبناء على التحولات السياسية المتسارعة التي ستشهدها البلاد إلى حين هذا التاريخ.
ولكن حتى وإن بقيت حظوظ الحزبين في حدود الـ5٪ فقط من أصوات الناخبين، فستكون غالبيتها العظمى من القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية، وبالتالي فإنها ستسحب من رصيد الحزب في أي انتخابات مقبلة، وإذا فاز الحزب بصعوبة بالغة جداً وبفارق لم يتجاوز الـ2٪ في الاستحقاقات الانتخابية المهمة التي جرت في السنوات الأخيرة، فإن هذه النسبة على صغرها ستكون نتائجها كارثية جداً على حزب العدالة والتنمية، وربما ستتسبب له بخسارة أي استحقاق انتخابي مقبل.
وخلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، نجحت المعارضة في توحيد صفوفها عبر تحالف ضم أحزاب: «الشعب الجمهوري» أكبر أحزاب المعارضة، و«الشعوب الديمقراطي» الكردي، وحزب «الجيد»، في مقابل اضطرار اردوغان إلى تشكيل تحالف انتخابي مع حزب الحركة القومية اليميني.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن البلاد تتجه تدريجياً إلى ما يشبه حقبة الحكومات الائتلافية التي جاءت نتيجة عدم وجود حزب سياسي قوي قادر على تحقيق الأغلبية البرلمانية، وهو ما بدأ يتحقق في تركيا بالفعل منذ سنوات، حيث ارتفعت الكتل السياسية في البرلمان من 3 إلى 4 وصولاً إلى 5 كتل برلمانية حالياً.
ومع تشكيل حزبي باباجان وداود أوغلو، إن حصل، يمكن أن يرتفع عدد الكتل السياسية في البرلمان إلى 6 كتل على الأقل، وهو ما يعني عدم وجود حزب سياسي يمتلك الأغلبية البرلمانية وعودة التحالفات السياسية بقوة. وبالتالي، فإن مدى استعداد حزبي داود أوغلو وباباجان على التحالف مع المعارضة في الانتخابات المقبلة يعتبر مؤشراً مهماً على مصير بقاء حزب «العدالة والتنمية» في الحكم، فإن كانت الإجابة بنعم، فإن تكتل المعارضة ستكون له الغلبة في أي استحقاق انتخابي مقبل.