اسماعيل كايا / اسطنبول
دخلت الاستعدادات التركية لعملية عسكرية متوقعة شرق نهر الفرات شمالي سوريا مرحلة جديدة متقدمة في ظل تصاعد التهديدات الرسمية وإعطاء الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مهلة للجانب الأمريكي حتى نهاية الشهر الجاري لتنفيذ التفاهمات حول المنطقة الآمنة، والتكهنات حول توصل اردوغان إلى تفاهمات غير معلنة في قمة أنقرة الأخيرة تدعم بموجبها روسيا وإيران العملية العسكرية التركي شرق نهر الفرات من منطلق الضغط لإخراج القوات الأمريكية من سوريا.
وبعد أشهر من الحشود العسكرية غير المسبوقة ونقل أعداد كبيرة من القوات إلى طوال الحدود التركية مع شرقي نهر الفرات، بدأت تركيا باتخاذ بعض الإجراءات المتقدمة والتي تشبه إلى حد كبير الإجراءات التي قامت بها تركيا في الأيام الأخيرة قبيل إطلاق عملتي درع الفرات وغصن الزيتون شمالي سوريا.
تعميم
وقبل يومين، أصدرت وزارة الصحة التركية تعميمياً يلغي كافة إجازات الطواقم الطبية في عدد من الولايات الحدودية مع سوريا، وحسب وثيقة رسمية صادرة عن الوزارة نشرتها وسائل إعلام تركية فإنه جرى نقل عشرات الأطباء من 11 ولاية تركية مختلفة إلى ولايتي شانلي أورفا وغازي عنتاب الحدوديتين مع شمالي سوريا.
كما نقلت وكالة رويترز عما قالت إنه «مصدر أمني بارز» في تركيا قوله: «تم تعليق إجازات الأطباء للاستعداد لعملية محتملة عبر الحدود. نستعد منذ فترة طويلة. الآن وصلنا لمرحلة يمكن فيها تنفيذ العملية في أي وقت يبدو ضرورياً»، وبينما تحدثت صحيفة «يني شفق» التركية عن أنه جرى أيضاً تحويل بعض المراكز الصحية إلى مشافٍ عسكرية في المنطقة الحدودية، لم يؤكد أو ينفي مصدر في وزارة الصحة هذه الأنباء.
بوتين وروحاني يدعمان أي تحرك يدفع واشنطن لسحب قواتها من سوريا
وفي إجراء متزامن، صدر بيانان مختلفان عن ولايتي غازي عنتاب وشانلي أورفا جرى بموجبهما حظر أي تجمعات أو تظاهرات أو فعاليات لأي هدف كان في عموم الولايتين، وبشكل عام يهدف هذا الإجراء إلى تقليل الخسائر في حال إطلاق صواريخ من الجانب السوري على البلدات الحدودية في الولايتين، ومنع التظاهرات التي يمكن أن تنظمها أطراف تركية ضد العملية لا سيما من المواطنين من أصول كردية.
وفي مؤتمر صحافي عقده في إسطنبول قبيل توجهه إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة، السبت، جدد اردوغان التأكيد على أن بلاده مستعدة للتحرك على حدودها الجنوبية مع سوريا، وبينما شدد على أن بلاده «لا ترغب في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة»، إلا أنه أكد أن تركيا «لا تستطيع أن تتجاهل الدعم الذي تمنحه واشنطن لمنظمة إرهابية.. الخطوات التي سنخطوها ستقصم ظهر التنظيم الإرهابي»، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية شمالي سوريا.
وفي آخر تهديد له، أكد اردوغان أن بلاده سوف تنتظر أسبوعين فقط (حتى نهاية الشهر الجاري) من أجل إقامة المنطقة الآمنة حسب الشروط التركية قبل أن تبدأ التحرك عسكرياً بمفردها، كما هدد وزير دفاعه خلوصي أقار بأن جميع الخطوات الجارية مع الولايات المتحدة والمتعلقة بالدوريات البرية والجوية شرقي الفرات سوف تتوقف فوراً إذا لم تحقق الهدف الأساسي التي انطلقت لأجله.
وعلى الرغم من أن التهديدات التركية ليست جديدة، وتتكرر منذ سنوات ومتصاعدة في الأشهر الأخيرة، إلا أنها تحمل أهمية خاصة هذه المرة كونها تأتي في توقيت مهم بالتزامن مع زيارة اردوغان للأمم المتحدة واحتمال لقائه ترامب، والحديث عن التفاهمات غير المعلنة التي توصل إليها اردوغان مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني في أنقرة قبل أيام.
ويجري الحديث في الأروقة السياسية في تركيا بأن أنقرة تمكنت بالفعل لأول مرة من الحصول على موقف روسي وإيراني داعم لأي تحرك عسكري لها شرقي نهر الفرات، وذلك من منطلق أن هذا التحرك سوف يساهم في الضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من سوريا -إلى جانب الضغط الذي تمارسه روسيا وإيران والنظام – وسيساهم في إضعاف الوحدات الكردية التي بدأت روسيا والنظام بالتفرغ لها لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها.
دعم روسي – إيراني
وفي السابق كانت روسيا وإيران تتبنيان موقف النظام، وتعارضان أي توافقات تركية – أمريكية في سوريا، وتعتبرها بمثابة «احتلال» للأراضي السورية، لكن هذا الموقف بدأ يتغير تدريجياً لا سيما تأكيد بوتين أن بلاده لا تعارض اتفاق المنطقة الآمنة، وهو ما فسره محللون روس بأنه دعم لأي تحرك سياسي أو عسكري تركي قد يدعم تراجع الوحدات الكردية أو القوات الأمريكية من أي منطقة في شرقي نهر الفرات.
وخلال القمة الثلاثية في أنقرة، ركز بوتين على ضرورة مساعدة تركيا في حل مشكلة اللاجئين وأيد – وإن كان بشكل غير صريح – إقامة مناطق آمنة، بينما كان الموقف الإيراني أكثر وضوحاً عندما خصص روحاني كافة تصريحاته للتأكيد على ضرورة سحب أمريكا قواتها من سوريا واعتبارها «قوات احتلال».
وبالتوازي مع ذلك، يحمل اردوغان الذي وصل إلى نيويورك في جعبته كمية هائلة من الملفات التي تشرح الموقف التركي من الأزمة السورية وملف اللاجئين والتصورات حول إقامة مناطق آمنة للاجئين ونوع الخدمات التي يجب أن تقدم لهم في تلك المناطق، وإعادة تحذير العالم لا سيما أوروبا من خطر احتمال حصول موجات هجرة كبيرة جديدة، والتلويح مجدداً بأن تركيا لن تتحمل العبء لوحدها وأنها ستفتح الحدود أمام اللاجئين للوصول إلى أوروبا.
وتنقسم التوقعات حالياً حول ما إن كانت كلمة اردوغان في الأمم المتحدة ولقاءاته مع قادة العالم وخاصة ترامب – لم يؤكد اللقاء بعد – بمثابة محاولة أخيرة لدعم الموقف التركي من ملف المنطقة الآمنة واللاجئين، أم أنها ستكون بمثابة شرح للعالم والدول المعنية للأسباب التي تدفع تركيا للتحرك العسكري الذي أًقر فعلياً من الجانب التركي ووصل مرحلة تهيئة الرأي الدولي لإطلاقه عملياً على الأرض بحلول نهاية الشهر الجاري؟