اسماعيل كايا / اسطنبول
نفذت طائرات حربية تركية، الاثنين، طلعات جوية استمرت لمدة ساعتين في الأجواء السورية، وذلك لأول مرة منذ أشهر، في خطوة غامضة وغير واضحة المعالم، وسط توقعات بأن تكون رسالة عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان للجانب الأمريكي من أجل تطبيق تفاهمات المنطقة الآمنة أو إطلاق عملية عسكرية.
وفي بيان مقتضب، خلا من أي تفاصيل عن السياق العام لهذه المهمة، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن تحليق مقاتلتين تركيتين من طراز F-16 في الأجواء السورية، في إطار عملية العزم الصلب للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، موضحةً أن المقاتلتين حلقتا بين الساعة 10:00 صباحاً و12:00 ظهر الاثنين، في المجال الجوي السوري.
عقب ساعات من اتصال ترامب – اردوغان وقبيل اللقاء المتوقع بينهما
هذا الإعلان الغامض، لم يكشف ما إن تمت هذه الطلعات في المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في شرقي نهر الفرات، أو مناطق النفوذ التركي والروسي غربي النهر، وما إن جاءت هذه الخطوة بالتنسيق مع واشنطن أم أنها خطوة فردية موجهة ضد الإدارة الأمريكية.
وبشكل عام، لا تحلق الطائرات الحربية التركية في الأجواء السورية إلا بتنسيق مسبق مع الطرفين الأمريكي أو الروسي وضمن مهام محددة، لأسباب تتعلق بالسيطرة الأمريكية والروسية على الأجواء السورية شرقي وغربي النهر، وضمن آليات التنسيق بين الجيوش المنتشرة في سوريا لعدم وقوع صدام بينها.
وما زاد من غموض الموقف إعلان وزارة الدفاع أن هذه الطلعات الجوية تأتي في إطار عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الذي انتهى إلى درجة كبيرة تواجده في سوريا، ولا توجد عمليات مباشرة له في الأراضي السورية سوى تلك المرتبطة بدعم الوحدات الكردية، كما أن أنقرة لم تشارك في أي مهام مباشرة للتحالف في السنوات الأخيرة.
كما يستبعد أن تكون هذه الطلعات في إطار التنسيق التركي حول المنطقة الآمنة شرقي نهر الفرات، حيث اعتادت وزارة الدفاع التركية التوضيح أن الطلعات المروحية السابقة كانت ضمن هذا الاتفاق، إلى جانب أن واشنطن لم تعلن حتى مساء الاثنين تنفيذ أي مهمة مشتركة مع الجانب التركي في سوريا.
كل هذه التناقضات تشير بشكل واضح إلى أن التحرك التركي كان أحادي الجانب، ولم يأت في إطار التنسيق مع واشنطن أو روسيا أو في تنفيذ اتفاق المنطقة الآمنة، ويرجح إلى درجة كبيرة أنه رسالة عسكرية من أنقرة إلى واشنطن لا سيما مع تزايد الغضب التركي من المماطلة الأمريكية في تنفيذ اتفاق المنطقة الآمنة وتهديد اردوغان بالتحرك عسكرياً بشكل أحادي شرقي نهر الفرات.
إلى جانب ذلك، يحمل الإعلان التركي عن أن «الطلعات الجوية تأتي في إطار المشاركة التركية في عمليات التحالف الدولي» دلالات مهمة، ويبدو أنه بمثابة مبرر قانوني تركي لهذا التحرك، باعتبار أن أنقرة عضو فاعل في التحالف الدولي، وإشارة إلى أن تركيا يمكن أن تعتبر أي تحرك عسكري لها في سوريا يأتي في إطار محاربتها للإرهاب في ظلال التحالف الدولي، على غرار ما تقوم به واشنطن من تقديم الدعم العسكري الهائل إلى الوحدات الكردية تحت مظلة التحالف الدولي ومحاربة الإرهاب.
وتأتي هذه الخطوة التركية بعد ساعات من الإعلان عن اتصال هاتفي جرى بين الرئيس رجب طيب اردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترامب تركز حول بحث الملف السوري والمنطقة الآمنة، وقبل ساعات من لقاء متوقع – لم يؤكد بعد – بين اردوغان وترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وبينما تحاول واشنطن تسريع خطواتها حول المنطقة الآمنة شرقي نهر الفرات، يرى الجانب التركي في هذه الخطوات «مضيعة للوقت» وخطوات شكلية، وهدد اردوغان بالتحرك عسكرياً بحلول نهاية الشهر الجاري، فيما هدد وزير دفاعه خلوصي أكار بوقف تنفيذ هذه الخطوات المشتركة والانتقال للعمل العسكري الأحادي.
والاثنين، بدأت تحضيرات بين الجانبين من أجل تسيير الدورية البرية الثانية في المنطقة، كما وصلت مروحيتان تابعتان للجيش الأمريكي من سوريا إلى مقر عسكري تركي حدودي، وبالتوازي مع ذلك، واصل الجيش التركي إرسال مزيد من التعزيزات العسكرية إلى الحدود للتحضير لعملية عسكرية متوقعة، وسط تصاعد التكهنات حول ما إن كانت الأيام المقبلة ستشهد مزيداً من التنسيق التركي الأمريكي لتسريع خطوات إقامة المنطقة الآمنة، أم انها ستشهد تحركا عسكريا تركيا أحادي الجانب.