اسماعيل كايا / اسطنبول
تتصاعد بشكل كبير جداً الخلافات التركية المصرية في الأسبوع الأخير الذي شهد سلسلة طويلة من البيانات الرسمية الحادة وسط حرب إعلامية متواصلة بين الجانبين وصلت حد استضافة قناة مصرية لفتح الله غولن الذي تتهمه تركيا بتدبير وقيادة محاولة الانقلاب الدموية الفاشلة التي شهدتها تركيا يونيو/تموز عام 2016، وما سبقها من توقيف السلطات المصرية لمواطنين أتراك بحجة دعم المظاهرات التي تطالب بإسقاط الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وفي تطور خطير، استضافة قناة مصرية مقربة من السيسي، السبت، فتح الله غولنمن مقر إقامته في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، وظهر مقدم برنامج “بالورقة والقلم” نشأت الديهي على قناة “TEN” وهو يلتقي غولن بحرارة ويقبل رأسه ويصفه بـ”الداعية” و”العلامة” و”الشيخ الجليل” و”المعارض والزعيم التركي”، ويبدي استغرابه كيف “يتجرأ أردوغان على اتهام هذا العلامة المتواضع بأنه نفذ انقلابا؟”.
وشن غولن خلال اللقاء هجوماً حاداً على أردوغان وأشاد بالسيسي، قائلاً: “الشعب المصري يكن للشعب التركي محبة عميقة ويتعاطف كلا الشعبان مع بعضهما لكن المسؤولين الأتراك ميالون بطبيعتهم إلى الخوض في جدليات مع نظرائهم المصريين انطلاقا من الاعتبارات السياسية، ولا تزال هذه الجدليات مستمرة حتى اليوم”.
وأضاف: “مصر تستطيع أن تقدم نموذجا يحتذى به إذا حافظت على هذا الخط من الاعتدال والتوازن، وهي قادرة على ذلك بما تتمتع به من سمعة طيبة.. كثير من الدول وخاصة في القارة الأفريقية وبعض بلدان العالم الإسلامي ينظرون إلى مصر نظرة احترام وتقدير ويتخذون منها نموذجا يقتدى به”، وجدد الإشادة بالسيسي قائلاً: “القيادة المصرية بما تتمتع به من نضوج، قادرة على خلق طاقة جماعية، تؤدي إلى تحقيق تكامل بين هذه الدول كافة، إذا واصلت سيرها على هذا الدرب”.
وتصنف تركيا جماعة الخدمة التي يتزعمها غولن على لائحة المنظمات الإرهابية، وتطالب الولايات المتحدة بتسليمه لمسؤوليته عن محاولة الانقلاب التي قتل فيها 250 مواطناً تركياً، واتهمت مصادر تركية في وقت سابق أطرافا في مصر والإمارات بدعم تنظيم غولن، ولفتت إلى وجود منصات إعلامية تابعة للتنظيم تعمل من الأراضي المصرية.
وفي ظل تصاعد الخلافات بين البلدين، أصدر وزراء خارجية اليونان ومصر وقبرص اليونانية بياناً مشتركاً عقب اجتماع لهم في نيويورك هاجموا فيه تركيا بشدة، وأدانوا “الأفعال غير القانونية التي تقوم بها تركيا في بحر ايجه وشرق البحر المتوسط، وبالأخص أنشطة الحفر المتصاعدة والاستفزازية وغير القانونية، والمسح الزلزالي والوجود العسكري في المناطق البحرية في قبرص، والتي تنتهك بشكل صارخ القانون الدولي والسيادة والحقوق السيادية لجمهورية قبرص”.
والسبت، ردت الخارجية التركية على هذا البيان، وجاء في الرد التركي: “نرفض كليا الادعاءات التي لا أساس لها ضد بلدنا في البيان المشترك”، واعتبرت أنه “ليس لدول المنطقة أي سلطة أو مسؤولية أو كلمة لتقولها حول قضايا بحر إيجة وقضية قبرص”.
وفي ظل تصاعد الخلافات التركية القبرصية حول التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط، دخلت مصر كطرف مباشر في الأزمة من خلال دعم قبرص واليونان في مواقفهما ضد تركيا، وانضمت القاهرة إلى حلف شرق المتوسط الذي ضم اليونان وقبرص وإسرائيل والذي تعتبره تركيا حلفاً موجهاً ضدها.
وخلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام، أعاد أردوغان طرح قضية وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي،وهو ما أثار غضب الخارجية المصرية التي أصدرت بياناً مطولاً هاجمت فيه تركيا، واعتبر الأكثر حدة منذ بداية الخلافات بين البلدين قبل سنوات.
واتهم بيان الناطق باسم الخارجية المصرية أحمد حافظ، الرئيس التركي بـ”الكذب والبطلان”، و”رعاية الإرهاب وارتكاب جرائم” و”انتهاك حقوق الإنسان”، و”دعم المتطرفين والجماعات الإرهابية في الكثير من الدول”، و”احتضان جماعة الإخوان الإرهابية ومنصاتها الإعلامية”.
كما وجهت بعثة مصر لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بتعليمات من وزير الخارجية، سامح شكري، خطابا رسميا احتجاجا على كلمة أردوغان، وجاء في الرد: “وفد مصر يعرب عن بالغ الاستغراب والاستهجان تجاه تصميم الرئيس التركي على مواصلة ادعاءاته الواهية والباطلة، التي تأتي في ظاهرها بمظهر الدفاع عن قيم العدالة، بينما تعكس في باطنها مشاعر الحقد والضغينة تجاه مصر”.
ومجدداً، ردت الخارجية التركية على نظيرتها المصرية برفضها “تصريحات مصرية مليئة بالكذب والافتراءات”، ووصف البيان “انتقاد الديمقراطية بتركيا من قِبل القادمين للسلطة بالانقلاب التراجيكوميدي”، وتحدث البيان عن “انتهاكات حقوق الإنسان وانعدام الديمقراطية وأوضاع السجون في مصر”، وطالب الحكومة المصرية بـ”الالتفات لمطالب الشعب المصري والكف عن الظلم والاستبداد”.
وطوال الأيام الماضية، غطت وسائل الإعلام التركية الرسمية والخاصة التظاهرات ضد حكم السيسي على نطاق واسع، لا سيما الوسائل الناطقة باللغتين العربية والإنجليزية، وهو ما أثار غضب الإعلام المصري الذي وسع هجومه المتواصل على تركيا.
وتحدثت مصادر تركية غير رسمية خلال الأيام الماضية عن توقيف السلطات المصرية لشابين تركيين على الأقل بتهمة المشاركة ودعم الاحتجاجات في مصر، لكن مصادر عائلية نفت هذه الاتهامات.