اسطنبول – قال رئيس جمعية “بيت الإعلاميين العرب” في تركيا، طوران قشلاقجي، إن الجمعية تعمل على شراء مبنى القنصلية العامة السعودية في إسطنبول، الذي قتل فيه الصحافي جمال خاشقجي (أكتوبر 2018)، من أجل تحويله لمتحف.
وأضاف قشلاقجي، الذي كان من أقرب أصدقاء خاشقجي وأصبح هدفا لبعض وسائل الإعلام السعودية والعربية بسبب تصريحاته التي أدلى بها حول مقتله، أنه تعرف على الصحافي المغدور في ندوة جرى تنظيمها في إحدى دول الخليج.
ولفت قشلاقجي إلى أن صداقته استمرت حوالي 15 عاما مع الصحافي المغدور والكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” الذي قتل في قنصلية بلاده بإسطنبول، على يد فريق إعدام سعودي خاص قام بتقطيع جثته.
وأوضح أن خاشقجي جمعه مع العديد من المفكرين والمثقفين في الشرق الأوسط، وقال: “لقد شاركنا معا في الكثير من الندوات الدولية. لقد ساهمت في دعم المؤسسات التي كان يعمل بها. كما ساهم في دعم المؤسسات الإعلامية التي عملت بها”.
وأضاف: “كان يقوم بزيارتي كلما قدم إلى تركيا. وبدوري كنت أقوم بزيارته كلما ذهبت إلى السعودية. لقد كان أحد الصحافيين المحبوبين الذين يمتلكون معلومات شاملة حول الشرق الأوسط. إنه كان يعرف المنطقة بشكل جيّد”.
وأكد قشلاقجي أنه ذهب شخصيا مع صديقه المقرب خاشقجي ليطلب يد خطيبته خديجة جنكيز من والدها، وقال: “طلب مني جمال مرافقته لطلب يد خديجة من والدها لأنه ليس لديه أقارب في تركيا. ذهبنا معا وتحدثت هناك باسم جمال. كانا ينتظران انتهاء الإجراءات الرسمية من أجل الزواج. لو أن الأمور الرسمية قد انتهت، لكانا سيتزوجان في غضون أسبوع أو أسبوعين”.
وأضاف قشلاقجي أن خديجة جنكيز اتصلت به يوم الحدث في 2 أكتوبر 2018 حوالي الساعة 16.30-17.00 وأخبرته أن جمال قد وصل من لندن، وأنها رافقت جمال إلى القنصلية عند الظهر، وأنها تنتظره منذ ساعات في الخارج دون أن تحصل على أي معلومات حول مصيره، طالبة إبلاغ المسؤولين في أنقرة بذلك.
وذكر قشلاقجي أنه لم يكن يعلم أن خاشقجي قد جاء من لندن في ذلك اليوم، وأنه سارع بإبلاغ السلطات المعنية بموضوع جمال حيث بدأت تلك السلطات بأعمال المتابعة.
ونوه قشلاقجي إلى أنه أدلى بتصريح صحافي مساء اليوم الذي وقع فيه الحادث، قال فيه إن جمال خاشقجي دخل من هذا الباب (إلى القنصلية) لكنه لم يغادر. وأنه واصل في اليوم التالي والأيام التالية الإدلاء بالتصريحات الصحافية ومتابعة الأخبار المتعلقة بالصحافي المغدور.
وأشار قشلاقجي إلى أن مخاوف كثيرة راودته بشأن مصير خاشقجي، وقال: “كان لدينا مخاوف. لأنني أعرف أنظمة الشرق الأوسط جيدا. في هذه النظم، إذا ذهب رجل إلى مكان ولم يغادره في غضون 5-6 ساعات، فهذا يعني أنه قُتل أو تم التحفظ عليه للحصول على فدية. وبما أن الدول لا تتحفظ على الأشخاص للحصول على فدية فقد قلت لنفسي ربما يتم العثور عليه، وربما يخرج من القنصلية. كنت أعتقد أن ليس بإمكانهم ارتكاب هذا الفعل في تركيا”.
وأضاف قشلاقجي أن جميع المعطيات التي بدأت تصله بعد أسبوعين من الحادث كانت تشير إلى مقتل جمال خاشقجي في القنصلية وأن جثته تعرضت للتقطيع.
وأشار إلى أنه وبعد مقتل خاشقجي، بدأت وسائل الإعلام الدولية والضمير العالمي إيلاء اهتمام كبير بهذا الحدث، رغم صمت بعض المؤسسات الإعلامية.
وتابع: “رغم تعمد السعودية نشر أخبار كاذبة، إلا أن الضمير العالمي لم يلتزم الصمت. الناس من جميع أنحاء العالم بدأوا بالاتصال، من اليابان إلى الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، وصاروا يتساءلون حول كيفية وقوع مثل هذه الجريمة، وكيف يمكن لدولة أن تفعل ذلك؟ حتى عندما أكون خارج البلاد، كان بعض من يعرفونني هناك يستوقفونني ويسألونني عن ملابسات الحادث”.
وانتقد قشلاقجي موقف الدول الأوروبية في جريمة مقتل الصحافي السعودي، وقال: “كان هناك بعض التصريحات من الدول الغربية، لكنها كانت كلها منافقة وتسعى لاستدرار المال السعودي. الولايات المتحدة كانت في مقدمة هذه الدول. فيما المسؤولون عن الجريمة لم يقدموا لمحاكمة نزيهة حتى الآن”.
ولفت قشلاقجي إلى أن تركيا فعلت كل ما تستطيع القيام به لإماطة اللثام عن الجريمة، وكشفت تفاصيلها للعالم أجمع.
وقال: “صحيح أن الجريمة وقعت داخل تركيا ولكن في القنصلية العامة للمملكة العربية السعودية. لقد كشفت تركيا عن هذه الجريمة التي وقعت في مكان يعتبر أرضا سعودية وأعلنت تفاصيل الجريمة للعالم كله”.
نجاح دبلوماسي تركي
ولفت رئيس “بيت الإعلاميين العرب” في تركيا، إلى أن أنقرة نقلت تفاصيل هذه الجريمة للعالم “بطريقة محترفة جدًا”.
وتابع: “كان أداء تركيا جيدا جدا وناجحا على الصعيد الدبلوماسي، وعلى صعيد مكتب الاتصالات في الرئاسة التركية، فقد قام المكتب برئاسة فخر الدين ألتون، بعمليات ناجحة جدا من حيث التنظيم وتدويل القضية”.
وقال قشلاقجي إن “وسائل الإعلام العالمية لا تزال تولي اهتماما وثيقا بالقضية، وإن صحافيين من نحو 40 بلدا وصلوا إلى تركيا في ظل اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الصحافي السعودي”.
وحول تقييمه للقضية المتعلقة بقتلة خاشقجي والتي تجري في السعودية، قال قشلاقجي: “نحن نعرف أنه لم يتم عقد محاكمة حقيقية ضد قتلة خاشقجي ولا نعتقد أن المحكمة ستنصف الصحافي المغدور”.
وأضاف “أن هذه المحكمة ما هي إلا لذر الرماد في العيون وإبعاد التهم عن القتلة والتملص من المسؤولية. ما يجب القيام به هنا هو اتخاذ المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى خطوات فعالة في هذا الصدد. نحن نتوقع من المؤسسات الدولية المعنية التحرك واتخاذ الإجراءات اللازمة”.
ووصف قشلاقجي تقرير المقرّرة الأمميّة الخاصّة المعنيّة بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامارد، حول مقتل خاشقجي بـ”الإيجابي”، وقال: “لسوء الحظ، الأمم المتحدة تحولت إلى مؤسسة غير فعالة. جميع أنشطتها باتت عبارة عن إعداد تقارير. آمل أن تقوم الأمم المتحدة بالقيام بما ينبغي في ضوء هذه التقارير”.
وصمة عار
وأضاف قشلاقجي: “حاولت العربية السعودية إنكار جريمة القتل في البداية. وقد أدلى ولي العهد محمد بن سلمان وغيره من المسؤولين السعوديين بتصريحات مختلفة في أوقات مختلفة”، موضحا أن هذا الوضع يحمل الدولة مسؤولية كبيرة.
وشدد قشلاقجي على أن “السعودية تعتبر أحد الأعمدة الرئيسية للعالم الإسلامي، وتوجد بها مكة والمدينة. ومن الخطير للغاية أن نعيش هذه الجريمة وسيظل دم خاشقجي وصمة عار حتى يوم القيامة”.
ولفت قشلاقجي إلى أن وسائل إعلامية عربية تتبع دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وبعض حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بهم اتهمته بـ”بث الأكاذيب”، زاعمة أن خاشقجي “لم يقتل”.
وأضاف: “خلال الشهر الذي أعقب وقوع الجريمة، واجهت الكثير من الأنباء الملفقة والتهديدات الموجهة ضدي”، مشيرا إلى أنه تنفس الصعداء بعد أن تم الكشف عن جميع جوانب الجريمة.
شراء مبنى القنصلية
ولفت قشلاقجي إلى وجود مشاريع عديدة تهدف لإحياء ذكرى صديقه جمال خاشقجي الذي قتل بوحشية في قنصلية بلاده، وقال: “سنعلن عن ذلك في 2 أكتوبر المقبل. أحد هذه الأعمال هو إنشاء متحف يخلد اسم جمال خاشقجي. ولذلك فإن محاولاتنا لشراء مبنى القنصلية العامة السعودية مستمرة. نعمل على شراء المبنى لتحويله إلى متحف يحمل اسم جمال”.
وختم بالقول: “الصحافيون يريدون من المؤسسات الدولية أن تتخذ إجراءً حتى لا يتعرض الصحافيون حول العالم لمثل هذه الأعمال الوحشية. ينبغي منع الدول من ممارسة مثل هذه الجرائم، من خلال معاقبة كل من شارك في جريمة قتل جمال خاشقجي”.
واستطرد محذرا: “إذا لم نفعل ذلك، سيشهد العالم المزيد من الأعمال الوحشية ضد الصحافيين”.