اسماعيل كايا / اسطنبول
يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحديا مهماً يتمثل في الحفاظ على مصداقية تصريحاته وتهديداته على الصعيدين الداخلي والخارجي وذلك مع انتهاء المهلة التي منحها للولايات المتحدة الأمريكية بإقامة المنطقة الآمنة شرق الفرات شمالي سوريا أو القيام بعملية عسكرية أحادية الجانب ضد الوحدات الكردية لإقامة تلك المنطقة.
وبحسب التهديدات التي أطلقها أردوغان طوال الأسابيع الماضية، فإن المهلة التي منحها لواشنطن لإتمام اتفاق المنطقة الآمنة انتهت فعلياً نهاية شهر أيلول/سبتمبر، وبات يتوقع أن يتحرك الجيش التركي لتنفيذ عملية عسكرية ضد الوحدات الكردية والبدء بإقامة المنطقة الآمنة من جانب واحد.
وفي السنوات الأخيرة أطلق أردوغان كما هائلا من التهديدات بتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا منها ما نفذ ومنها ما لم تتمكن أنقرة من تنفيذه حتى اليوم، ولكن التهديدات هذه المرة كانت محددة بشكل أكبر “مكانياً وزمانياً”، حيث ذكر أردوغان في أكثر من تصريح أن المهلة تنتهي بنهاية شهر أيلول/سبتمبر.
وبالتزامن مع انتهاء المهلة، ألقى أردوغان، الثلاثاء، كلمة أمام البرلمان التركي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة، أعلن فيها انتهاء المهلة، وشدد على أن بلاده “لم يعد بمقدورها الانتظار ولو ليوم واحد” لتنفيذ العملية العسكرية شرقي نهر الفرات لإقامة المنطقة الآمنة”.
وفي الخطاب، استخدم أردوغان عبارته الشهيرة “قد نأتيكم على حين غرة” (مخاطباً الوحدات الكردية)، وهي العبارة التي باتت تعتبر بمثابة الإشارة النهائية لقرب تنفيذ العمليات العسكرية، حيث أطلقها قبيل تنفيذ الجيش التركي عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون شمالي سوريا.
وفي إشارة أخرى، بدى الرئيس التركي موجهاً خطابه للشعب التركي وأحزاب المعارضة، في محاولة للحصول على دعم شعبي وحزبي للعملية المتوقعة، وركز على ملامسة الحس القومي ومقدماً السياق العام والمبررات التي تدفع تركيا للقيام بعملية عسكرية، فبينما شدد على أن بلاده لا تسعى للحرب، لفت إلى أن التحرك المتوقع يأتي للحفاظ على الأمن القومي التركي وإعادة اللاجئين وتخفيف العبء عن تركيا، وتساءل مخاطباً الشعب والبرلمان التركي “هل تقبلون أن تكون تركيا دولة عاجزة وضعيفة لكي يتم خداعها وتعجز عن حماية أمنها القومي؟”.
عسكرياً على الأرض، أكمل الجيش التركي استعداداته للعملية منذ أسابيع، بعدما نشر أعدادا كبيرة من قواته على الشريط الحدودي، ونقل مدافع دبابات وناقلات جنود وعربات عسكرية إلى المنطقة، وقام باتخاذ إجراءات أمنية مختلفة في المحافظات الحدودية.
وإلى جانب ذلك، اتخذت وزارتي الداخلية والصحة إجراءات أخرى توحي بقرب العملية، حيث منعت وزارة الداخلية التجمعات والتظاهرات في محافظتين حدوديتين مع شرقي نهر الفرات، كما أعلنت وزارة الصحة الطوارئ واستدعت أطباء من محافظات أخرى إلى تلك المنطقة.
وبعد كل هذه الإجراءات والاستعدادات والتهديدات، يجد أردوغان نفسه مطالباً أكثر من أي وقت مضى بتنفيذ وعوده وذلك خشية على اهتزاز مكانته ومصداقيته على الصعيدين الداخلي والخارجي.
فداخلياً، يجد أردوغان نفسه مضطراً لتقديم حلول جذرية للأزمة السورية حيث تتهمه المعارضة بالفشل في إدارة الأزمة وعدم القدرة على إيجاد حلول لمسألة اللاجئين التي استخدمتها المعارضة ضده ما أدى إلى تراجع شعبيته وهو ما ظهر بقوة في الانتخابات المحلية الأخيرة التي شهدتها البلاد آذار/مارس الماضي.
وعلى الصعيد الخارجي، ينعكس ذلك على مكانة تركيا ومصداقية تصريحاتها دولياً وهو ما قد يؤدي إلى تراجع قدرة الردع التركية سياسياً وعسكرياً.
وتثير وسائل الإعلام التركية جانب آخر لهذه القضية، يتمثل في التحذير من “تململ الجيش” الذي أمره المستوى السياسي أكثر من مرة بالتحشيد والتحضير لعملية عسكرية لم تنفذ منذ سنوات، وسط مخاوف من رفض الجيش وتراخيه مع أي أوامر مستقبلية بالتحضير لعملية عسكرية، وهو ما قد يعود بنتائج كارثية على المستويين السياسي والعسكري في البلاد.