اسماعيل كايا / اسطنبول
عقب سنوات من محاولات تركيا للحصول على موقف أمريكي يتيح لها تنفيذ عملية ضد وحدات حماية الشعب الكردية في مناطق نفوذ الجيش الأمريكي شرق نهر الفرات شمالي سوريا، يبدو أن الرئيس رجب طيب أردوغان تمكن أخيراً من انتزاع موقف من نظيره الأمريكي دونالد ترامب يتضمن سحب القوات الأمريكية من الشريط الحدودي مع تركيا، وعدم عرقلة العملية العسكرية التركية المتوقعة.
وخلال اليومين الماضيين، لعب أردوغان بشكل واضح على وتر الخلاف بين ترامب والمؤسسات الأخرى في الدولة الأمريكية لا سيما وزارة الدفاع “البنتاغون”، واستحضر قرار ترامب بالانسحاب من سوريا قبل أشهر وعدم تطبيقه حتى اليوم من قبل الجيش الأمريكي.
وفي ساعة متأخرة من مساء الأحد، جرى اتصال هاتفي بين أردوغان وترامب ركز على بحث الملف السوري، وبحسب دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية، فإن أردوغان أكد لترامب أن “إقامة المنطقة الآمنة شرط للقضاء على التهديد الإرهابي وتشكل الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم”، واتفقا على اللقاء في واشنطن خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
لكن الأهم، هو إبلاغ أردوغان لترامب “انزعاج بلاده إزاء عدم التزام البيروقراطية العسكرية والأمنية الأمريكية بتلبية متطلبات الاتفاقية المبرمة بين البلدين”، وذلك في إشارة مباشرة إلى عدم تطبيق وزارة الدفاع قرار ترامب بالانسحاب من سوريا.
قبل ذلك بساعات فقط، صرح أردوغان في كلمة له بالعاصمة أنقرة أن ترامب أدرج مسألة انسحاب قوات بلاده من منطقة شرق نهر الفرات السورية، لكن من هم حوله لم يعملوا إلى الآن بتوصياته.
وعقب ضغوط تركية كبيرة، أعلن ترامب نهاية العام الماضي أنه قرر رسمياً سحب القوات الأمريكية من سوريا، وكتب آنذاك: “منذ مدة طويلة ونحن نحارب في سوريا، وأنا رئيس للولايات المتحدة منذ عامين، لقد قطعنا مرحلة كبيرة، وهزمنا داعش شر هزيمة واستعدنا الأرض”، وتابع: “آن الأوان لعودة جنودنا للديار فلقد كان السبب الوحيد لتواجدنا بسوريا في فترة رئاستي هو تنظيم داعش الذي هزمناه”، لكن معارضة البنتاغون لهذا القرار أدت إلى تأخيره حتى اليوم.
ومنذ سنوات، تعرضت العلاقات التركية الأمريكية لخلافات خطيرة وعميقة، واتهمت تركيا مرارا أطرافا في الإدارة الأمريكية بالعمل ضد تركيا وإدارة ترامب على حد سواء، وعلى الدوام صدرت بيانات متناقضة بين ترامب والخارجية والبنتاغون حول العلاقات مع تركيا.
ومجدداً، وعقب اتصال أردوغان ترامب، أعلن البيت الأبيض في بيان له، الإثنين، أن القوات الأمريكية لن تتواجد على الشريط الحدودي السوري مع تركيا، دون مزيد من التفاصيل. وفي وقت لاحق الإثنين أيضاً أعلنت قوات سوريا الديمقراطية أن القوات الأمريكية بدأت بالفعل بالانسحاب من الشريط الحدودي مع تركيا.
وعلى الرغم من أن الإعلان الأمريكي لم يتضمن الكثير من التفاصيل، إلا أنه يتوقع أن القرار في هذه المرحلة لا يشمل سحب القوات الأمريكية بشكل كامل من سوريا، وإنما سحب القوات القريبة من الحدود مع تركيا ربما بعمق 30 كيلومترا وهو الهدف الذي وضعته تركيا للسيطرة عليه لإقامة المنطقة الآمنة.
وفي محاولة منه لمساعدة ترامب في تنفيذ قراره بالانسحاب من سوريا، قدم أردوغان تعهدات من أجل تمكين ترامب من تفنيد المبررات التي قدمها البنتاغون لعدم تنفيذ قرار الانسحاب من سوريا، وعلى رأسها ملف معتقلي “داعش” والحرب على التنظيم شمالي سوريا، وضمان عدم عودته.
وبينما تضمن البيان التركي التأكيد أن أنقرة سوف تواصل بعزم الحرب على التنظيمات الإرهابية كافة وبينها تنظيم داعش من أجل ضمان عدم عودته، كشف البيان الأمريكي عن أن تركيا سوف تكون مسؤولة عن ملف معتقلي داعش الذين جرى إيقافهم في العامين الأخيرين وكانت واشنطن تتحمل مسؤوليتهم.
وفي دلالات التوقيت، ضغطت أنقرة بقوة في وقت يبدو فيه ترامب أحوج من أي وقت مضى لتنفيذ وعوده لناخبيه، وذلك في ظل الأزمات المتلاحقة التي مر بها في الأسابيع الأخيرة وتراجع شعبيته وفرص فوزه بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات التي تقترب رويداً رويداً.
وفي هذا الإطار، يريد ترامب أن ينفذ تعهداته لناخبيه بتقليص المصروفات الخارجية وسحب القوات الأمريكية من مناطق النزاع، وإنهاء انخراط واشنطن في صراعات بالخارج، حيث يعتبر ذلك أحد أهم وعود حملته الانتخابية الرئاسية التي وعد فيها بالانسحاب من سوريا والعراق وأفغانستان.