في تحول سياسي، يشرّع الباب أمام تحرك عسكري تركي شمال شرقي سوريا، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية غطاءها السياسي والعسكري عن حليفتها «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وسحبت جزءاً من قواتها من الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، آذنة ببدء العملية العسكرية التركية شرق الفرات، ما قد يعجّل من خطوات أنقرة التي أكلمت جهوزيتها، في شن حرب ضد وحدات الحماية الكردية التي تقود تحالف «قسد»، وما قد يدفع الأخيرة بدورها للتحالف مع روسيا ومن خلفها النظام السوري، في سبيل البحث عن مخرج من المأزق، الذي اعتبرته الوحدات «طعناً بالظهر» وبذلك تكون واشنطن قد تخلت عن حلفائها الأكراد وخلطت الأوراق أمام اللاعبين المؤثرين شرقي سوريا.
المسؤول في «قسد» مصطفى بالي أكد أن القوات الأمريكية تركت المنطقة لما يمكن أن يتحول إلى ساحة حرب، فيما اعتبر كينو جبريل المتحدث باسم القوات في مقابلة مع تلفزيون الحدث «التصريح الأمريكي الذي صدر اليوم كان مفاجئاً ويمكننا القول إنه طعن بالظهر لقوات سوريا الديمقراطية».
وقال مسؤول أمريكي إن القوات الأمريكية انسحبت من موقعين للمراقبة على الحدود عند تل أبيض ورأس العين وأبلغت قائد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد بأن الولايات المتحدة لن تدافع عن القوات في مواجهة هجوم تركي وشيك. كما كشف مسؤول أمريكي لرويترز الاثنين أن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا سيقتصر في بادئ الأمر على جزء من الأرض قرب الحدود التركية، وذلك حسب الاتفاق بين أنقرة وواشنطن لإقامة منطقة أمنية، لافتاً إلى أن الانسحاب من المنطقة لن يشمل الكثير من القوات بل ربما العشرات فقط.
الانسحاب الأمريكي المفاجئ، والذي قد يستغرق أسبوعاً، حسب تصريحات رسمية، جاء في اعقاب اتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب اردوغان، حيث أبلغ الأخير ترامب أن تركيا ستمضي قريباً في عمليتها التي تخطط لها منذ وقت طويل شمال سوريا، معلناً عن عزمه زيارة واشنطن للقاء ترامب في النصف الأول من نوفمبر حيث سيناقشان خططاً بشأن «المنطقة الآمنة» بعمق 32 كيلومتراً ضمن الأراضي السورية، على ان تكون تحت سيطرة أنقرة حفاظاً على أمنها القومي.
خبير تركي : انشقاقات وهروب لعشرات الجنود من «قسد»
وفي هذا الصدد قال الخبير السياسي التركي حمزة تكين، ان بلاده باتت «قاب قوسين أو أدنى من انطلاق العملية العسكرية التركية الجديدة شرقي الفرات، في سوريا، والتي من المتوقع أن تحمل اسم «منبع السلام» لافتاً إلى ان الاستعدادات لدى الجيش التركي والجيش الوطني السوري أصبحت مكتملة وحتى القرار السياسي قد اعطي فعلاً، وما يجري الآن هو أمور لوجستية على الحدود. ولفت إلى أن الولايات المتحدة تخلت عن تنظيم قسد، أمام «المعركة التركية الشاملة» متوقعاً ان يصل عمق التدخل التركي «في بعض المناطق إلى 40 كيلو متراً، ويمتد من حدود ادلب حتى الحدود مع العراق على طول الشريط الحدودي».
واعتبر تكين ان «فرص نجاح العملية قوية جداً على حساب فرص الفشل أمام قسد» مدللاً على ذلك بسبب «التعاون الكبير بين الجيش التركي والجيش الوطني السوري، لان الأول يمتلك خبرات عسكرية ضخمة، فيما يعزز من قوة الأخير انه مشكل من أبناء المنطقة المهجرين، وهو ما يعطي العملية التركية شرعية كاملة» حسب قوله.
وقال تكين «لدينا أخبار مؤكدة من الداخل السوري، عن حالات انشقاق بالعشرات بين مقاتلي تنظيم البي كاكا، وبي ي دي، سواء كانوا من الأكراد او التركمان او العرب، بسبب حالة التخبط التي تعيشها قياداته، وتخوفهم من المعركة» حسب قوله.
وعن مبررات التحرك التركي، قال تكين، إن العملية المرتقبة ستؤمن تطهيراً كاملاً «للعناصر الإرهابية شرقي الفرات، التي هجرت الملايين وقتلت الآلاف وحرق عشرات آلاف المنازل والأراضي الزراعية العائدة لعرب وأكراد وتركمان، كما انها ستنسف مشروع تقسيم الأراضي السورية، وتؤمن عودة ملايين المهجرين السوريين إلى قراهم ومدنهم ومنازلهم وأراضيهم»، مؤكداً ان الهدف من العملية حماية قوية للأمن القومي التركي من العناصر «الإرهابية التي تحاول زعزعته من خلال إنشاء كيانات في الشمال السوري تتطور لاحقاً نحو العراق وإيران وتركيا».
وبينما يعتبر محللون وخبراء أتراك ان المعركة المقبلة شاملة على عمق كبير، يقول معارضون سوريون إن حدود التدخل التركي لن يتجاوز 15 كيلو متراً، وضمن نطاق محدود، معتبرين ان خلط الأوراق هو العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة التي تنتظر شرق الفرات، وهو ما استنتجه الباحث السياسي عبد الرحمن عبارة الذي اعتبر ان أول السيناريوهات المحتملة شرقاً، «انسحاب أمريكي جزئي من بضعة مواقع شرق الفرات، وإعادة انتشار لقواتها في مواقع أخرى» لافتاً إلى ان «التوغل التركي سيكون جزئياً شمال شرقي سوريا، مع المضي بتنفيذ اتفاق أنقرة بين تركيا وأمريكا الخاص بشرق الفرات، إلى حين موعد القمة المرتقب بين اردوغان وترامب وما ستتمخض عنه المباحثات بين الجانبين».
وحسب قراءة «عبارة» فإن ميليشيات قسد ستتوجه إلى موسكو لعقد اتفاقات تحمي بموجبها مكتسباتها، وتمنع تركيا من التقدم، «وفي حال دخول روسيا على خط شرق الفرات فليس أمام تركيا إلا التفاهم المباشر مع روسيا، وقد توقع اتفاقا ثنائيا شبيها بسوتشي الخاص بإدلب» مرجحاً ابرام تفاهمات محدودة بين قسد وروسيا، تفضي إلى تسليم «قسد» لمدينة منبج ومناطق حدودية عدة إلى القوات الروسية، ومن ورائها للنظام السوري، لافتاً إلى إمكانية «إعادة داعش إلى المشهد، ودعمها عسكرياً ولوجستياً في محاولة لإلهاء القوات التركية عن التقدم».