وائل عضام / أنطاكيا
الآن فقط، وبعد بدء القوات الأمريكية تنفيذ انسحابها من شمال سوريا، بات الطريق سالكاً أمام أنقرة لشن عملية عسكرية ضد الأكراد، واقامة «كانتون» عازل من اللاجئين السوريين، يفصلون أكراد سوريا عن أكراد جنوب تركيا، وهو ما أثار انتقادات واتهامات لتركيا بالسعي لـ «تغيير ديموغرافي».
ورغم أن الأبواب مشرعة الآن للاتراك شمال سوريا، لكن موسكو تملك مفاتيحها، واتفاق استانة، قيد من تحركات الاتراك داخل الاراضي السورية وفق تنسيق مسبق مع طهران وموسكو، وهذا ظهر جلياً على سياسات الاتراك، عند اعلان ترامب قبل بضعة أشهر عن قراره بالانسحاب، اذ توجه وفد أمني وسياسي ضم قادة الاجهزة العسكرية والأمنية إلى موسكو، لبحث الخطوة المقبلة، التي قال الاتراك حينها انهم لن يقدموا عليها قبل التنسيق مع موسكو .
واليوم، ومع بدء تنفيذ الانسحاب الأمريكي المؤجل، عادت روسيا سيدة اللعبة في شمال سوريا، لنكون امام سيناريوهين اثنين: إما ان تسمح روسيا لتركيا بدخول شمال سوريا كما فعلت في عفرين، لطرد الوحدات الكردية، لكن مع تفاهم واضح حول انسحاب مشروط لاحقاً، لصالح عودة سيطرة النظام على الحدود، وهذا ما يقر به المسؤولون الاتراك صراحة، بالتأكيد على انسحاب بلادهم بعد «تطهير المنطقة من الإرهابيين».
بعد الانسحاب الأمريكي… موسكو تمسك بخيوط اللعبة شمال شرقي سوريا
السيناريو الثاني، يتمثل في استغلال انتهاء الدعم الأمريكي للأكراد شمال سوريا، بالضغط على الأكراد للوصول إلى تسوية مع دمشق، تؤمن عودة قوات النظام للشريط الحدودي ومراكز المدن، بدون تدخل تركي، وهو ما سيكون ايضاً من مصلحة أنقرة التي ستحقق هدفها بإبعاد الأكراد عن حدودها .
ويبدو ان الأسابيع المقبلة، قبل لقاء اردوغان ترامب المرتقب، ستشهد محادثات روسية – تركية بهذا الشأن، وقد تتمهل تركيا في العملية حتى إنجاز تفاهمات مع واشنطن وموسكو، وهذا ما صرح به اردوغان أخيراً اذ قال انه سيناقش عمق العملية في سوريا في لقائه القادم مع ترامب، مما يوحي بان لا عملية تركية ستقع قبل الشهر المقبل، وهو ما أيده الباحث الغربي ارون لوند في تعليق له على حسابه الشخصي. ولعل تصريح وزارة الدفاع الأمريكي الاخير، حمل إشارات اقل حماساً تجاه العملية التركية ، قد تدفع انقرة للتريث وستضطرها للتنسيق أكثر مع روسيا لضمان دعم واسع لعمليتها، اذ قال البنتاغون انه أوضح لتركيا انه لا يدعم عملية عسكرية شمال سوريا وأن «الإجراءات الأحادية ستخلق مخاطر لتركيا». السناتور الجمهوري ليندسي جراهام، وفي تعليق كتبه على صفحته الشخصية، حذر من تبعات القرار الأمريكي لصالح دمشق وطهران بالقول بان الانسحاب الأمريكي «سيعزز الضغوط على الأكراد للتقارب مع الأسد وإيران».
أما الموقف الروسي فقد عبر عنه ديميتري بيسكوف، المتحدث الاعلامي باسم الرئيس الروسي بوتين، اذ قال انه من الافضل «الامتناع عن اي اعمال قد تخلق عقبات على طريق التسوية الروسية، في هذه الحالة، من المهم الامتناع عن أي أعمال قد تخلق عقبات على طريق التسوية السورية» واصفاً الأمر بأنه «سيكون طريقًا طويلًا وشائكًا بعد تشكيل اللجنة الدستورية السورية» ويضيف المتحدث الرسمي الروسي حول العملية التركية المرتقبة بان موسكو تتوقع ان تلتزم تركيا بالسلامة الإقليمية والسياسية لسوريا ووحدة الاراضي السورية، ثم يؤكد بأن موسكو توافق على اتخاذ تركيا لاجراءات لحماية أمنها بما فيها حول «الارهابيين في سوريا» ، لكن المتحدث الروسي ينفي في نهاية حديثه ان يكون بوتين واردوغان قد تطرقا للحديث عن عملية شمال سوريا قبل ان يعود للقول ان «الاجهزة الامنية التركية والروسية على اتصال دائم ووثيق».
وفي جميع الأحوال، فان موسكو باتت تمسك بخيوط اللعبة شمال سوريا بعد الانسحاب الأمريكي، سواء سمحت موسكو لأنقرة بعملية ضد الأكراد، او ضغطت على قوات «قسد» ذات الأغلبية الكردية للوصول لتسوية مع دمشق تبقي شيئاً من الصلاحيات المحدودة المدنية للأكراد، فإن الهدف الروسي الاستراتيجي الذي سيتحقق شمال سوريا هو عودة سيطرة النظام، اما تركيا ففي الحالتين ستحقق هدفها ايضاً بإبعاد الأكراد عن الحدود، ويبقى الخاسر الاكبر الذي لن يحقق شيئاً شمال سوريا ، هو المعارضة السورية والأكراد، وكلاهما اعتمد يوماً ما على وعود واشنطن بالدعم السياسي والعسكري .