اسماعيل كايا / اسطنبول
مع اقتراب ساعة الصفر لبدء الجيش التركي بتنفيذ عملية عسكرية جديدة لإنشاء «منطقة آمنة» شرقي نهر الفرات شمالي سوريا، تتضح أكثر فأكثر السيناريوهات المتوقعة للعملية التي تهدد فيها أنقرة منذ سنوات، وباتت اليوم أقرب من أي وقت مضى للتنفيذ.
وحسب الكثير من المعطيات العسكرية على الأرض وخريطة نشر القوات التركية على الشريط الحدودي فإن المرحلة الأولى من العملية سوف تكون ما بين منطقتي تل أبيض ورأس العين وهي المنطقة الممتدة على طوال قرابة 100 إلى 120 كيلومتراً وستكون بعمق 30 كيلومتراً وهي العمق الذي حددته أنقرة سابقاً للمنطقة الآمنة في مرحلتها الأولى، وستكون هذه المنطقة بمساحة إجمالية 2600 كيلومتر مربع.
وإلى جانب الكثير من التقارير التي نشرتها الصحافة التركية، فإن خريطة الانسحاب الأمريكي حتى الآن تدعم هذا السيناريو حيث انسحبت القوات الأمريكية من نقطتين أساسيتين كانتا في تل أبيض ورأس العين، وباتت المنطقة الممتدة من تل أبيض وحتى رأس العين خالية من أي تواجد للقوات الأمريكية، يضاف إلى ذلك أن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ركزت منذ سنوات على ذكر اسم هاتين المنطقتين ضمن أهم أهداف العملية المتوقعة شرق الفرات.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يقدم مزيداً من التفاصيل حول «الحدود المسموح بها لتركيا» عندما هدد بـ»تدمير الاقتصاد التركي في تجاوز الحدود المسموح بها»، إلا أن المعطيات السابقة تعطي صورة واضحة بأن ما مسموح به أمريكياً في هذه المرحلة محصور في هذه المنطقة الممتدة من تل أبيض إلى رأس العين.
وكما جرى في العمليات السابقة التي نفذها الجيش التركي تحت اسم «درع الفرات» ولاحقاً «غصن الزيتون» غربي نهر الفرات، فإن العملية يتوقع أن تبدأ بغارات جوية واسعة على المواقع العسكرية التابعة للوحدات الكردية، تعقبها ضربات مدفعية مكثفة تمهيداً لبدء التوغل البري لقوات «الجيش الوطني السوري» المعارض والذي سيكون مدعوماً لوجستياً وبشكل مباشر من الأرض بوحدات الكوماندوز التابعة للجيش التركي.
وفي ظل التخبط المتزايد في الإدارة الأمريكية حول قرارات ترامب الأخيرة، والخلافات المتصاعدة بين البيت الأبيض والبنتاغون، لا يعرف حتى الآن ما إن كانت واشنطن ستفتح المجال الجوي في المنطقة لسلاح الجو التركي، أم أنها ستغلقه في محاولة لإعاقة العملية التركية وتعقيدها.
وفي حال كان المجال الجوي مفتوحاً، ستكون المهمة أسهل بكثير على القوات التركية، حيث أنهى سلاح الجو الاستعدادات لتنفيذ ضربات واسعة جداً بمشاركة عشرات الطائرات الحربية التي تنتظر الأوامر للإقلاع من قاعدتي ملاطيا وديار بكر، الأمر الذي سيساعد في تدمير الأهداف الرئيسية كافة قبل التحرك البري الذي سيحتاج أيضاً إلى دعم من المروحيات العسكرية.
ولكن في حال إغلاق المجال الجوي، فإن المهمة ستكون أصعب بكثير، حيث ستضطر الطائرات الحربية لتنفيذ ضربات بعمق محدود من داخل المجال الجوي التركي، كما سيواجه التقدم البري معضلة عدم تمكن الطائرات المروحية من تقديم الاسناد من ارتفاعات منخفضة، وهو ما يعني إطالة أمد العملية.
وكما في العمليات السابقة، تتولى قوات المعارضة السورية التي توحدت تحت مسمى «الجيش الوطني السوري» عملية التقدم البري جنباً إلى جنب مع قوات الجيش التركي التي تقدم الإسناد الناري والمدفعي، حيث أنهت هذه القوات طوال الأسابيع الماضية دورات تدريبية ومناورات عسكرية استعداداً للعملية.
وتعتبر الخنادق والأنفاق أسفل الأرض من أكثر المعيقات للعملية التركية، حيث أنشأت الوحدات الكردية هناك أنفاقاً محصنه بالإسمنت المسلح على امتداد كيلومترات عدة أسفل الأرض من أجل التنقل بحرية وتنفيذ عمليات في الخطوط الخلفية للقوات المتقدمة، وذلك على غرار ما جرى في عفرين .لكن من جانب آخر، فإن الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية اكتسبت خبرة أكثر على التعامل مع هذه الأنفاق وطرق دفاع الوحدات الكردية من خلال عملية عفرين، كما أن الجيش التركي جمع معلومات استخبارية واسعة جداً طوال السنوات الماضية عن مقرات وخنادق وأنفاق الوحدات الكردية في المنطقة، وهو ما قد يساعده في التعامل مها بأقل الخسائر الممكنة.
وعلى الرغم من فشل اتفاق المنطقة الآمنة الأخير بين واشنطن وأنقرة، إلا أن الجيش التركي استفاد من الخطوات التي جرى تنفيذها طوال الأسابيع الماضية، سواء من خلال تدمير جانب من تحصينات الوحدات الكردية، أو من خلال جمع معلومات استخبارية أوسع في إطار الدوريات البرية والجوية التي نفذت بالتعاون مع الجانب الأمريكي.