هبة محمد / دمشق
أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إطلاق جيش بلاده عملية «نبع السلام» شرق الفرات في سوريا «لتطهيرها من تنظيمي «بي كا كا/ ي ب ك وداعش» حسب قوله وإنشاء منطقة آمنة «لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم» حيث بدأ الجيش التركي هجومه ضد وحدات الحماية الكردية شمال شرقي سوريا. وكانت ردة فعل القيادات الكردية السورية التلويح بورقتين لديهم وهما فتح قنوات اتصال مع النظام السوري وإمكانية ترك أسرى تنظيم «الدولة» وحالهم.
جاء ذلك في تغريدة له على حسابه على موقع «تويتر» عصر أمس موضحاً أن هدف بلاده «هو القضاء على الممر الإرهابي المُراد إنشاؤه قرب حدودنا الجنوبية، وإحلال السلام في تلك المناطق.. سنحافظ على وحدة الأراضي السورية، ونخلّص سكان المنطقة من براثن الإرهاب من خلال عملية نبع السلام».
ورقة «الأسرى»
وأوضح مسؤولون أتراك أن العملية العسكرية وعبور الحدود السورية سيكونان بالتعاون مع مقاتلين من قوات المعارضة السورية المتمثلين بالجيش الوطني، وهو ما أكدته قيادات من المعارضة لـ»القدس العربي»، حيث استنفرت فصائل الجيش الوطني بكامل فصائلها وعبأت جنودها قبيل اطلاق المعركة، وقالت المصادر ان العملية ستكون محدودة لكنها «تقتضي مشاركة واسعة لفصائل الجيش الوطني» الذي دعا مقاتليه المشاركين في عملية «نبع السلام» للكف عن عناصر ميليشيات الحماية من الذين يسلمون سلاحهم أو يعلنون انشقاقهم والإحسان للأسرى والجرحى منهم والحفاظ على ممتلكاتهم».
في المقابل هدد القيادي السابق لدى قوات سوريا الديمقراطية «قسد» والباحث السياسي ادريس نعسان، بفتح السجون أمام أسرى تنظيم الدولة في وجه الجيش التركي وفصائل المعارضة المتعاونة معها، ضد ما وصفه في حديث مع «القدس العربي» «بالغزو التركي».
وقال : «لن تستطيع «قسد» الاستمرار بحراسة أسرى داعش مع الغزو التركي لمناطقها لأنهم سوف ينشغلون بالتصدي لهذا الغزو» مؤكداً ان قوات قسد «ستدافع بكل قواها» ضد الجيش التركي، وأكد على «طرح الحوار والتفاوض مع النظام السوري بوساطة روسيا كأحد خيارات التصدي» للعملية التركية والذهاب باتجاه «الحل السوري الداخلي للأزمة الراهنة».
قيادي كردي سابق يلوّح بورقتين في وجه «الغزو التركي»
وأضاف أنه «ليست وحدات حماية الشعب وحدها المعنية بحماية شمال شرقي سوريا، فقوات سوريا الديمقراطية المتعددة الانتماءات هي قوات هذه المنطقة، وعليها الدفاع» ولفت إلى ان التطورات التي تتسارع مؤخراً حول شمال شرقي سوريا من حيث تغريدات ترامب المتضاربة والباعثة على المزيد من الغموض وما نتج عنها من انسحاب للجنود الأمريكيين من نقاط المراقبة الحدودية في ظل التحشيد العسكري التركي والفصائل السورية الموالية لها لغزو المنطقة بحجة إقامة منطقة آمنة على الشريط الحدودي التركي- السوري وظهور معارضة قوية لقرار الانسحاب داخل البيت الأمريكي ومن الدول الأوروبية الرئيسية وروسيا وإيران والحكومة السورية، كل ذلك يشير إلى تضارب مصالح جميع الأطراف الدولية في هذه المنطقة الاستراتيجية».
وأكد على «التأهب التام لقوات سوريا الديمقراطية في التصدي للاعتداءات التركية من جهة وسعي دبلوماسي إلى حشد الرفض الدولي لهذه الاعتداءات» مشيراً إلى «طرح الحوار والتفاوض مع النظام السوري بوساطة روسيا كأحد خيارات التصدي للعدوان التركي والحل السوري الداخلي للأزمة الراهنة».
وقالت مصادر ميدانية، إن «قسد أغلقت كل طرق الخروج من مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي بوجه المدنيين»، وذكرت وسائل إعلام رسمية سورية ومسؤول كردي لرويترز «أن انفجاراً وقع في بلدة رأس العين في شمال شرقي البلاد على الحدود مع تركيا».
وذكرت «قسد» أن المقاتلات التركية قصفت مناطقها في شمال شرقي سوريا، وأكد مصطفى بالي المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية على تويتر أن «المقاتلات التركية بدأت تنفيذ ضربات جوية» على مناطق شرق سوريا».
وفي موقف من النظام السوري، نقلت وسائل إعلام رسمية سورية عن مصدر بوزارة الخارجية قوله إن بلاده عازمة على التصدي لأي عدوان تركي «بكافة الوسائل المشروعة»، وأضاف المصدر أن الحكومة «على استعداد لاحتضان أبنائها الضالين إذا عادوا إلى جادة العقل والصواب»، في إشارة على ما يبدو إلى سلطات كردية سورية تسيطر على شمال شرقي البلاد.
وفي هذا الإطار تحدث سكرتير حزب اليسار الديمقراطي الكردي في سوريا وعضو الائتلاف الوطني السوري عن المجلس الكردي «شلال كدو» واعتبر، ان الضوء الاخضر الأمريكي «مرهون ومشروط بشروط عديدة وهو ما تبين من خلال تغريدات ترامب اللاحقة التي تلت المكالمة الهاتفية مع نظيره الرئيس التركي» رجب طيب اردوغان.
ترحيب بالحوار
ولفت إلى ان «مناطق شرق الفرات والمدن والقرى الكردية على طول الحدود السورية – التركية مقبلة على تغيرات جذرية ضخمة سواء كانت إدارية أم سياسية أم عسكرية»
وتوقع القيادي الكردي ان تقتصر المرحلة الأولى من العمليات العسكرية التركية، على المناطق شبه النائية الواقعة بين مدينتي رأس العين وتل ابيض والتي تقدر مساحتها طولاً بـ 100 كيلو متر وعمق يتراوح من 5 إلى 8 كيلو مترات في المرحلة الأولى».
من جهة أخرى، رحبت الإدارة التي يقودها الأكراد في شمال سوريا الأربعاء بدعوة روسيا للحوار مع دمشق وحثت موسكو على أن تلعب دور الضامن لهذا الحوار، وقالت الإدارة في بيان إنها تنظر بإيجابية لتصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف بشأن الحوار مع الحكومة السورية مضيفة أنها تتطلع إلى أن تلعب روسيا دورا كداعم وضامن للحوار، وذكرت قسد التي أن موقفها الثابت «وأفضل سبيل لحل الصراع السوري يكون عبر الحوار بين السوريين».
وكانت الرئاسة التركية، قد ذكرت الأربعاء أن الرئيس رجب طيب اردوغان ناقش في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين التوغل المزمع في شمال شرقي سوريا حيث تتأهب أنقرة لتنفيذ هجوم عبر الحدود، قالت الرئاسة في بيان إن اردوغان أبلغ بوتين خلال الاتصال بأن التوغل التركي سيسهم في السلام والاستقرار في سوريا وسيفسح المجال للعملية السياسية لحل الصراع هناك.
من جانبه قال المعارض السياسي السوري درويش خليفة »، ان الرئيس الأمريكي «ظاهرة تجمع بين رجل الاعمال، والسياسي، الذي يربط مصالحه بمصالح البيت الأبيض، كما ان أسلوب ادارته للرئاسة الأمريكية تشبه لحد بعيد أساليب الحكام العرب من حيث التفرد بالقرارات لولا وجود روادع قانونية تمنعه من تجاوز الكونغرس ومجلس الشيوخ، وحتى الدول المتداخلة في سوريا باتوا يبنون استراتيجياتهم على أساس الفرقة بين الرئيس والمؤسسات الامريكية، كما تفعل روسيا وإيران ومؤخراً تركيا» حسب قوله.
وحاول الامريكان عدة مرات، وفي مناسبات مختلفة، تسكين الهواجس التركية، إلا أنهم هذه المرة تماشوا مع مطالب أنقرة في الانسحاب من مناطق تل أبيض ورأس العين لإفساح المجال امام تركيا في إبعاد خطر «قوات سوريا الديمقراطية» الكتلة الأساسية فيه «حزب الاتحاد الديمقراطي- بي واي دي» حسب رأي المعارض السياسي الذي اعتبر «أن الامريكان ليس لهم صديق دائم».
ويقرأ خليفة الانسحاب المحدود للقوات الأمريكية، عن الشريط الحدودي التركي السوري بعمق 20 حتى 32 كم، كخطوة في سبيل فتح الباب أمام القوات التركية للوصول إلى هذا العمق، من اجل حماية «الطريق الدولي والذي يؤمن صادراتها التجارية».
ومع بدء العملية العسكرية التركية، يتساءل السوريون عن شكل الحكم فيها وهوية القوات التي ستفرض الأمن هناك والمساحة المتوقع السيطرة عليها، من قبل القوات التركية، إذ أن المراكز البحثية تقدر المساحة بـ 9260 كيلو متر، على ان تضم 10 مناطق و140 قرية، و «تراها الإدارة التركية كافية لإعادة مليون لاجئ سوري إلى بلدهم» لكن المعارض السوري لم يكن متفائلاً في إعادة السوريين لبلدهم «قبل رؤية النموذج المقبل وما مدى توافقه وتطلعاتهم وما إذا سوف تستقر المنطقة أم سوف تذهب لمعارك بينية جديدة تمزق الشعب السوري وتشتت جهود الحل السياسي، بعد اهتراء الجغرافيا السـورية».