اسماعيل كايا / اسطنبول
تتصاعد مطالبات المعارضة التركية بتوجهاتها المختلفة والمغردين الأتراك، للرئيس التركي رجب طيب اردوغان بالرد على تهديدات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المتتالية ضد بلادهم، وسط صمت غير مسبوق من قبل المسؤولين الرسميين الذين آثروا عدم الرد على هذه التصريحات حتى اليوم.
وباستثناء رد غير مباشر لنائب الرئيس، فؤاد أقطاي، قال فيه إن بلاده «لا تخضع للتهديدات من أحد عندما يتعلق الأمر بأمنها القومي»، فإن الرئيس التركي ووزير خارجيته والناطقين الإعلاميين باسمه لم يصدر عنهم أي تعقيب على تهديدات ترامب التي تتزامن مع قرب إطلاق الجيش التركي عملية عسكرية كبيرة شرق نهر الفرات شمالي سوريا.
وخلال يومين، أطلق ترامب عدة تهديدات ضد تركيا تركزت حول الاقتصاد، فبعد تهديد بـ«تدمير الاقتصاد التركي في حال تجاوزت تركيا حدودها»، هدد ترامب مجدداً بـ«تدمير الاقتصاد التركي والعملة التركية» التي وصفها بالهشة، وأعاد تذكير أنقرة بأنه هاجم الاقتصاد التركي بقوة، في إشارة إلى الاضطرابات في الاقتصاد التركي والانخفاض الحاد في قيمة العملة التركية الذي حدث إبان أزمة اعتقال تركيا الراهب الأمريكي برانسون.
هذه التهديدات وصفتها المعارضة التركية بـ«الإهانة والتطاول غير المسبوق على تركيا»، وانتقدت صمت الرئاسة التركية حتى الآن عن الرد على هذه التصريحات.
وقال كمال كليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض: «لا يمكن لأي قوة أن تهدد الجمهورية التركية»، مضيفاً: «ترامب يصرخ ويهدد بتدمير الاقتصاد التركي، يجب أن ترد عليه (في إشارة للرئيس التركي)، وإذا لا تستطيع الرد عليه عليك مغادرة الحكم».
في السياق ذاته، أدانت مرال أكشنار، زعيمة حزب «الجيد»، تصريحات ترامب بقوة، وقالت في خطاب أمام كتلة حزبها البرلمانية: «ننتقد بعضنا بقوة في السياسة الداخلية، ولكن إذا جاء تهديد خارجي فجميعنا نتوحد في حزب واحد، هو حزب تركيا، لا يجب أن يقلق أحد، تركيا قوية»، كما صدرت إدانات مشابهة من أحزاب الحركة القومية والسعادة وغيرها.
تقول مصادر تركية مقربة من الرئاسة إن اردوغان ومستشاريه فضّلوا عدم الرد على هذه التصريحات، والتعامل معها على أنها خطاب موجه للداخل الأمريكي الذي انقلب رأساً على عقب بعد قرار ترامب بالانسحاب من سوريا نتيجة الاتصال الهاتفي مع اردوغان، إذ تعرض ترامب لهجوم واسع من أعضاء جمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس على خلفية إعلان الانسحاب.
وفي إطار هذا التقييم، تفضل الرئاسة التركية التعامل حتى الآن مع الوعود التي حصل عليها اردوغان من ترامب عبر الطرق الرسمية المباشرة، واعتبار تصريحات ترامب وتغريداته عبر «تويتر» محاولة لامتصاص غضب المعارضين له في الإدارة والكونغرس.
ودعماً لهذا التقييم، أعرب رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب، عن اعتقاده بأن تصريحات ترامب متعلقة بالسياسة الداخلية للولايات المتحدة، وقال: «لا يمكن فهم ما يود ترامب قوله بالنظر إلى تصريحاته كاملة، لأنه يدلي برأي وتقييم مختلف في كل تغريدة»، مضيفاً: «نعتقد أن تصريحاته متعلقة بالسياسة الداخلية الأمريكية وتركيا لا تولي أي قيمة لهذا التهديد ولا يمكن لأحد أن يهدد بلادنا».
وظهر ذلك بشكل واضح من خلال تصريحات ترامب التي جمعت ما بين إظهار رغبته في إنهاء استنزاف القوات الأمريكية عسكرياً ومالياً في الخارج، وما بين مصالح أمريكا السياسية والاقتصادية مع تركيا وإظهار أهميتها، وما بين إظهار أنه وضع «حدود» للعملية التركية، وهي مؤشرات تؤكد في مجملها أن الخطاب داخلي بالدرجة الأولى ولا يعتبر انقلاباً من قبل ترامب على ما اتفق عليه مع اردوغان.
ويبدو أن الرئيس التركي يتجنب في هذه المرحلة الدخول في موجة تصريحات وحرب كلامية جديدة مع ترامب، وينتظر لحصد النتائج التي حصل عليها في الاتصال الأخير على الأرض، عبر التأكد من سحب القوات الأمريكية من مناطق في الشريط الحدودي تمهيداً لبدء العملية العسكرية التركية ولو في منطقة محدودة شرق الفرات شمالي سوريا.
وفي حال التزم ترامب بتعهداته في المرحلة الحالية، وعدم إعاقة عملية عسكرية تركية في المنطقة الممتدة ما بين تل أبيض ورأس العين في المرحلة الأولى، فإن الرئاسة التركية سوف تسعى إلى الحفاظ على أجواء إيجابية مع ترامب لحين موعد اللقاء المنتظر بين اردوغان وترامب في واشنطن والمقرر في الثالث عشر من الشهر المقبل.
ويأمل اردوغان من خلال هذا اللقاء أن يتمكن من إقناع ترامب بمواصلة سحب القوات الأمريكية من سوريا بشكل كامل، وتسهيل مهمة تركيا في إقامة المنطقة الآمنة على طول الشريط الحدودي من شرق الفرات وحتى الحدود العراقية، بالإضافة إلى حل المسائل العالقة بين الجانبين، لا سيما فيما يتعلق بأزمة الطائرات الحربية من طراز «إف 35» وإمكانية شراء منظومة باتريوت الدفاعية الأمريكية.